الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

وقوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا فِي أعناقهم أغلالا } الآية .

قال مكي : قيل : هي حقيقةٌ في الآخِرَة إذا دخلوا النار ، وقال ابن عباس وغيره : الآيةُ استعارةٌ لِحالِ الكَفَرَةِ الذين أرادوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بسوءٍ ، فجعلَ اللَّهُ هذهِ مثَلاً لَهُمْ في كَفِّهِ إِيَّاهُمْ عَنْهُ ومَنْعِهم مِنْ إذَايَتِهِ حينَ بَيَّتُوهُ ، وقالتْ فرقة : الآيةُ مُسْتَعَارَةُ المعانِي مِنْ مَنْعِ اللَّه تعالى إيَّاهم مِنَ الإيمَانِ ، وَحَوْلِه بَيْنَهم وبَيْنَه ، وهذا أرجح الأقوال ، و«الغُلُّ » : ما أحاط بالعُنق على معنى التَّثْقِيفِ والتَّضْيِيقِ والتَّعْذِيبِ .

وقوله : { فَهِي } يحتملُ أنْ تَعُودَ على الأغلالِ ، أي : هي عريضة تبلَغُ بحرفِها ( الأذقَانَ ) ، والذَّقَنُ : مُجْتَمَعُ اللَّحْيَيْنِ ، فَتضْطَرُّ المغلولُ إلى رفع وجههِ نحو السماء ، وذلك هو الإقْمَاحُ ، وهو نحوُ الإقْنَاعِ في الهيئة ، قال قتادة : المقمح : الرافعُ رأسه ، ويحتملُ وهو قول الطبري أنْ تَعُودَ ( هي ) على الأيْدِي ؛ وذلك أن الغُلَّ إنما يكونُ في العُنُقِ مَعَ اليَدَيْنِ .