بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّا جَعَلۡنَا فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ أَغۡلَٰلٗا فَهِيَ إِلَى ٱلۡأَذۡقَانِ فَهُم مُّقۡمَحُونَ} (8)

{ إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا } قال مقاتل : نزلت في بني مخزوم ، وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليدفعنه بحجر ، فأتاه وهو يصلي ، فرفع الحجر ليدمغه ، فيبست يده إلى عنقه ، والتزق الحجر بيده ، ورجع إلى أصحابه ، فخلصوا الحجر من يده . ورجل آخر من بني المغيرة ، أتاه ليقتله ، فطمس الله على بصره ، فلم يرَ النبي صلى الله عليه وسلم ، وسمع قوله ، فرجع إلى أصحابه ، فلم يرهم حتى نادوه ، فذلك قوله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا فَهِي إِلَى الأذقان فَهُم مُّقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً } وذكر في رواية الكلبي نحو هذا ، وقال بعضهم : { إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا } أي : نجعل في أعناقهم أغلالاً يوم القيامة . ويقال : معناه { إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا } أي : جعلنا أيديهم ممسكة عن الخيرات ، مجازاة لكفرهم . { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } أي : حائلاً لا يهتدون إلى الإسلام ، ولا يبصرون الهدى ، وقال بعضهم : { إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا } يعني : أيديهم . ولم يذكر في الآية اليد ، وفيها دليل ، لأن الغل لا يكون إلا باليد إلى العنق . فلما ذكر العنق فكأنما ذكر اليد . وروي عن ابن عباس ، وابن مسعود ، أنهما قرآ : { إنا جعلنا في { أيمانهم أغلالا } . وقرأ بعضهم { في أَيْدِيهِمْ } . وكل ذلك يرجع إلى معنى واحد . لأنه لا يجوز أن يكون الغل بأحدهما دون الآخر كقوله : { والله جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظلالا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الجبال أكنانا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر وسرابيل تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } [ النحل : 81 ] ولم يذكر البرد لأن في الكلام دليلاً عليه .

ثم قال : { فَهِي إِلَى الأذقان فَهُم مُّقْمَحُونَ } أي : رددنا أيديهم إلى أعناقهم { إِلَى الأذقان } أي : الحنك الأيسر { مُّقْمَحُونَ } أي : رافعو الرأس إلى السماء ، غاضّو الطرف لا يبصر موضع قدميه . وقال قتادة : أي مغلولين من كل خير .