التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ} (2)

{ وأنت حل بهذا البلد } هذه جملة اعتراض بين القسم وما بعده وفي معناها ثلاثة أقوال :

أحدها : أن المعنى أنت حال بهذا البلد أي : ساكن لأن السورة نزلت والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة .

والآخر : أن معنى { حل } تستحل حرمتك ويؤذيك الكفار مع أن مكة لا يحل فيها قتل صيد ولا بشر ولا قطع شجر ، وعلى هذا ، قيل : لا أقسم يعني : لا أقسم بهذا البلد : وأنت تلحقك فيه إذاية . الثالث : أن معنى { حل } حلال يجوز لك في هذا البلد ما شئت من قتلك الكفار وغير ذلك مما لا يجوز لغيرك وهذا هو الأظهر لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن هذا البلد حرام حرمه الله يوم خلق السموات والأرض ، لم يحل لأحد قبلي ولا يحل لأحد بعدي وإنما أحل لي ساعة من نهار " يعني يوم فتح مكة ، وفي ذلك اليوم أمر عليه الصلاة والسلام بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ، فإن قيل : إن السورة مكية وفتح مكة كان عام ثمانية من الهجرة . فالجواب : أن هذا وعد بفتح مكة كما تقول لمن تعده بالكرامة أنت مكرم يعني فيما يستقبل وقيل : إن السورة على هذا مدنية نزلت يوم الفتح ، وهذا ضعيف .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ} (2)

ولما عظم البلد بالإقسام به ، زاده عظماً بالحال به إشعاراً بأن شرف المكان بشرف السكان ، وذلك في جملة حالية فقال : { وأنت } يعني وأنت خير كل حاضر وباد { حل } أي مقيم أو حلال لك ما لم يحل لغيرك من قتل من تريد ممن يدعي أنه لا قدرة لأحد عليه { بهذا البلد * } فتحل قتل ابن خطل وغيره وإن كان متعلقاً بأستار الكعبة ، وتحرم قتل من دخل دار أبي سفيان وغير ذلك مما فعله الله لك بعد الهجرة بعد نزول هذه السورة المكية بمدة طويلة ، علماً من أعلام النبوة ، أو معنى : يستحل أهله منك وأنت أشرف الخلق ما لا يستحلونه من صيد ولا شجر ، وكرر إظهاره ولم يضمره زيادة في تعظيمه تقبيحاً لما يستحلونه من أذى المؤمنين فيه ، وإشارة إلى أنه يتلذذ بذكره ، فقد وقع القسم بسيد البلاد وسيد العباد ، ولكل جنس سيد ، وهو انتهاؤه في الشرف ، فأشرف الجماد الياقوت وهو سيده ، ولو ارتفع عن هذا الشرف لصار نباتاً ينمو كما في الجنة ، وأشرف جنس النبات النخل ولو ارتفع صار حيواناً يتحرك بالإرادة ، فالحيوان سيد الأكوان ، وسيده الإنسان ، لما له من النطق والبيان ، وسيد الإنسان الرسل عليهم أفضل الصلاة والسلام ، لما لهم من عظيم الوصلة بالملك الديان ، وسيدهم أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم الذي ختموا به لما فاق به من الفضائل التي أعلاها هذا القرآن ، فسيد الخلق محمد بن عبد الله رسول الله أشرف الممكنات وسيدها لأنه وصل إلى أعلى مقام يمكن أن يكون لها ، ولو بقي فوق ذلك مقام يمكن للممكن لنقل إليه ، ولكونه أشرف كانت مكابدته أعلى المكابدات ، يصبر على أذى قومه بالكلام الذي هو أنفذ من السهام ، ووضع السلاء من الجزور على ظهره الشريف - نفديه بحر وجوهنا ومصون جباهنا وخدودنا - وهو ساجد ، ووضع الشوك في طريقه ، والإجماع على قصده بجميع أنواع الأذى من الحبس والنفي والقتل بحيث قال صلى الله عليه وسلم

" ما أوذي أحد في الله ما أوذيت " .