فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ} (2)

{ وأنت حل بهذا البلد } البلد يذكر ويؤنث والجمع بلدان ، والبلدة البلد وجمعها بلاد مثل كلبة وكلاب ، وقال الواحدي الحل والحلال والمحل واحد ، وهو ضد الحرام ، أحل الله لنبيه صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح حتى قاتل وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحل لي إلا ساعة من نهار " .

قال والمعنى أن الله تعالى لما ذكر القسم بمكة دل ذلك على عظيم قدرها مع كونها حراما فوعد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يحلها له حتى يقاتل فيها ويفتحها على يده فهذا وعد من الله تعالى بأن يحلها له حتى يكون بها حلا انتهى .

فالمعنى وأنت حل بهذا البلد في المستقبل كما في قوله : { إنك ميت وإنهم ميتون } قال النسفي رحمه الله وكفاك دليلا قاطعا على أنه للاستقبال وإن تفسيره بالحال محال أن السورة مكية بالإتفاق ، وأين الهجرة من وقت نزولها ، فما بال الفتح انتهى .

قال مجاهد المعنى ما صنعت فيه من شيء فأنت حل ، قال قتادة أنت حل به لست بآثم يعني أنك غير مرتكب في هذا البلد ما يحرم عليك ارتكابه لا كالمشركين الذين يرتكبون فيه الكفر والمعاصي .

وقيل المعنى لا أقسم بهذا البلد وأنت حال به ومقيم فيه وهو محلك ، فعلى القول بأن لا نافية غير زائدة يكون المعنى لا أقسم به وأنت حال به فأنت أحق بالإقسام بك ، وعلى القول بأنها زائدة يكون المعنى أقسم بهذا البلد الذي أنت مقيم به تشريفا لك وتعظيما لقدرك لأنه قد صار بإقامتك فيه عظيما شريفا ، وزاد على ما كان عليه من الشرف والعظم .

ولكن هذا إذا تقرر في لغة العرب أن لفظ حل يجيء بمعنى حال ، وكما يجوز أن تكون الجملة معترضة يجوز أن تكون في محل نصب على الحال .

قال ابن عباس في الآية يعني بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحل الله له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء ويستحيي من شاء فقتل يومئذ ابن خطل صبرا وهو آخذ بأستار الكعبة فلم يحل لأحد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل فيها حراما حرمه الله فأحل الله ما صنع بأهل مكة ، وعنه فيها قال أنت يا محمد يحل لك أن تقاتل فيه وأما غيرك فلا .

وعن أبي برزة الأسلمي قال : " نزلت هذه الآية فيّ خرجت فوجدت عبد الله ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة فضربت عنقه بين الركن والمقام " أخرجه ابن مردويه .