تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ} (2)

الآية 2 : وقوله تعالى : { وأنت حل بهذا البلدِ } قال بعضهم : وأنت نازل بها ، من الحلول ، وقال بعضهم : وأنت حلال بهذا البلد ، والحل والحلال لغتان ؛ فإن كان على هذا فالحل غير منصرف إلى نفسه ، وإنما انصرف إلى ما أحل له ، لأنه لا يجوز أن يكون بنفسه حلالا أو حراما ، فالحل والحرمة إذا أضيفا إلى من له الحلال والحرام فإنما يراد بالحل والحرمة الشيء الذي أحل له والشيء الذي حرم عليه ، لا أن يكون الوصف راجعا إلى المضاف إليه .

فإذا قيل : هذا محرم أريد به أن الأشياء محرمة عليه ، وإذا قيل : هذا حلال ليس بمحرم أريد به أن الأشياء له حلال .

وإذا أضيفا إلى من لا يخاطب بالحل والحرمة أريد بهما عين ذلك الشيء كقوله [ صلى الله عليه وسلم ]{[23629]} : ( ( هذا لحم حلال أو صيد حلال ، وهذا لحم حرام ) ) بنحوه : أحمد 1/326 ] فيريد أن ذلك اللحم حلال ، وكذلك الصيد حرام أو حلال .

ثم اختلفوا في الذي أحل له : فمنهم من صرفه إلى القتال ، فقال : إنه أحل له القتال فيها ؛ وذلك يوم فتح مكة ، ومنهم من قال : إنه أحل له الدخول فيها [ إذا{[23630]} جاء من الآفاق بغير إحرام ، ولا يحل ذلك لغيره .

وروي عن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ]{[23631]} قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : ]{[23632]} ( ( إن مكة حرام حرمها الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر ، ووضع هذين الجبلين ، لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، وهي ساعتي هذه ، لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها ، ولا ينفر صيدها ولا ترفع لقطتها إلا لمن نشدها ) ) فقال العباس رضي الله عنه إلا الإذخر يا رسول الله فإنه لا غنى لأهل مكة عنه للقبر والبنيان ، فقال عليه السلام : ( ( إلا الإذخر ) ) [ البخاري 112 و2090 ومسلم 1355/447 ] .

فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها أحلت ساعة من نهار .

والحل يحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما . وذكر أبو بكر الأصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤذيه أهل مكة ، فيتأذى بهم ، فيخرج من بين أظهرهم ، فيحل له الصيد في ذلك الوقت .

ولكن لا يسع صرف التأويل إلى هذا ؛ إذ يعرف مثل هذا إلا بالخير والنقل .

ثم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسان العباس رضي الله عنه ( ( إلا الإذخر ) ) دلالة أن التحريم لم يكن منصرفا إليه ، ولا يحتمل أن يكون التحريم شاملا له ، ثم استثناه بما ذكر العباس رضي الله عنه من حاجة أهل مكة إليه لما لم يكن بين ما ذكر من التحريم والتخليل كثير مدة ، يجري في مثلها النسخ ، ولكن ترك بيان الحل إلى أن سأله العباس رضي الله عنه بينه{[23633]} ، وهو دليل قول أصحابنا ، رحمهم الله : إن تأخير البيان جائز .

وقوله تعالى : { وأنت حل بهذا البلدِ } يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون القسم منصرفا إلى نفسه ، فأقسم به لما عظم من أمره وشأنه ، كأنه قال عز وجل : لا أقسم بهذا البلد وبالذي ، هو حل بهذا البلد .

[ الثاني : أن ]{[23634]} يكون منصرفا إلى مكة ، ويكون قوله : { وأنت حل بهذا البلد } خرج مخرج التعريف لمكة لكونه فيها ، أي البلد الذي أنت نازل به وحال به أو حلاّل فيه .


[23629]:ساقطة من الأصل وم.
[23630]:في الأصل: فإذا.
[23631]:ساقطة من الأصل وم.
[23632]:ساقطة من م.
[23633]:في الأصل وم: بين.
[23634]:في الأصل وم: أو.