السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَٰذَا ٱلۡبَلَدِ} (2)

{ وأنت } ، أي : يا أشرف الخلق { حل } ، أي : حلال لك ما لم يحل لغيرك من قتل من تريد ممن يدعي أنه لا قدرة لأحد عليه { بهذا البلد } بأن يحل لك فتقاتل فيه .

وقد أنجز الله له هذا الوعد يوم الفتح وأحلها له ، وما فتحت على أحد قبله ولا أحلت له فأحل ما شاء وحرم ما شاء قتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة ، ومقيس بن صبابة وغيرهما ، وحرم دار أبي سفيان ثم قال : «إنّ الله حرّم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام إلى أن تقوم الساعة لم تحل لأحد قبلي ، ولن تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار فلا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشدها . فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقيوننا وقبورنا وبيوتنا ، فقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر » . ونظير { وأنت حل } في معنى الاستقبال قوله تعالى : { إنك ميت وإنهم ميتون } [ الزمر : 30 ]

ومثله واسع في كلام العرب ، تقول لمن تعده الإكرام والحباء لأنت مكرم محبوّ ، وهو في كلام الله تعالى واسع لأنّ الأحوال المستقبلة عنده كالحاضرة المشاهدة ، وكفاك دليلاً قاطعاً على أنه للاستقبال وأنّ تفسيره بالحال محال أنّ السورة بالاتفاق مكية ، وأين الهجرة من وقت نزولها ، فما بال الفتح والجملة اعتراض بين المقسم به وما عطف عليه .