التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الإسراء

مكية إلا الآيات 26 و32 و33 ، ومن آية 73 إلى غاية آية 80 فمدنية . وآياتها : 111 . نزلت بعد القصص .

{ سبحان الذي أسرى بعبده } معنى سبحان : تنزه ، وهو مصدر غير منصرف ، وأسرى وسرى لغتان ، وهو فعل غير متعد ، واختار ابن عطية أن يكون أسرى هنا متعديا أي : أسرى الملائكة بعبده وهو بعيد ، والعبد هنا هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وإنما وصفه بالعبودية تشريفا له وتقريبا { ليلا } إن قيل : ما فائدة قوله : { ليلا } مع أن السري هو السير بالليل ؟ فالجواب : أنه أراد بقوله : { ليلا } بلفظ التنكير تقليل مدة الإسراء ، وأنه أسرى به في بعض الليل مسيرة أربعين ليلة ، وذلك أبلغ في الأعجوبة .

{ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } يعني : بالمسجد الحرام مسجد مكة المحيط بالكعبة ، وقد روى في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال : " بينما أنا نائم في الحجر إذ جاءني جبريل ، وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في بيته ، فالمسجد الحرام على هذا مكة أي : بلد المسجد الحرام ؛ وأما المسجد الأقصى فهو بيت المقدس الذي بإيلياء " ، وسمي الأقصى لأنه لم يكن وراءه حينئذ مسجد ، ويحتمل أن يريد بالأقصى الأبعد ؛ فيكون المقصد إظهار العجب في الإسراء إلى هذا الموضع البعيد في ليلة واختلف العلماء في كيفية الإسراء ، فقال الجمهور : كان بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه ، وقال قوم : كان بروحه خاصة وكانت رؤيا نوم حق ، فحجة الجمهور أنه لو كان مناما لم تنكره قريش ولم يكن في ذلك ما يكذب به الكفار ، ألا ترى قول أم هانئ له : لا تخبر بذلك فيكذبك قومك ، وحجة من قال إن الإسراء كان مناما قوله تعالى : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } [ الإسراء : 60 ] ، وإنما يقال : الرؤيا في المنام ، ويقال فيما يرى بالعين : رؤية ، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال : " بينما أنا بين النائم واليقظان وذكر الإسراء " ، وقال في آخر الحديث : " فاستيقظت وأنا في المسجد الحرام " وجمع بعض الناس بين الأدلة فقال : الإسراء كان مرتين : أحدهما : بالجسد والآخر ، بالروح وأن الإسراء بالجسد كان من مكة إلى بيت المقدس ، وهو الذي أنكرته قريش ، وأن الإسراء بالروح كان إلى السموات السبع ليلة فرضت الصلوات الخمس ولقي الأنبياء في السموات .

{ الذي باركنا حوله } صفة للمسجد الأقصى ، والبركة حوله بوجهين : أحدهما : ما كان فيه وفي نواحيه من الأنبياء والآخر : كثرة ما فيه من الزروع والأشجار التي خص الله بها الشام .

{ لنريه من آياتنا } أي : لنري محمدا صلى الله عليه وسلم تلك الليلة من العجائب ، فإنه رأى السماوات والجنة والنار وسدرة المنتهى والملائكة والأنبياء وكلمه الله تعالى حسبما ورد في أحاديث الإسراء ، وهي في مصنفات الحديث فأغنى ذلك عن ذكرها هنا .