تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَـٰٓؤُلَآءِ شُفَعَـٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبِّـُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (18)

ينكر تعالى على المشركين الذين عبدوا مع الله غيره ، ظانين أن تلك الآلهة تنفعهم شفاعتُها عند الله ، فأخبر تعالى أنها لا تنفع ولا تضر ولا تملك شيئا ، ولا يقع شيء مما يزعمون فيها ، ولا يكون هذا أبدا ؛ ولهذا قال تعالى : { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ } .

وقال ابن جرير : معناه أتخبرون{[14135]} الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض ؟ ثم نزه نفسه عن شركهم وكفرهم ، فقال : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .

ثم أخبر تعالى أن هذا الشرك حادث في الناس ، كائن بعد أن لم يكن ، وأن الناس كلهم كانوا على دين واحد ، وهو الإسلام ؛ قال ابن عباس : كان بين آدم ونوح عشرة قرون ، كلهم على الإسلام ، ثم وقع الاختلاف بين الناس ، وعُبدت الأصنام والأنداد والأوثان ، فبعث الله الرسل بآياته وبيناته وحُجَجه البالغة وبراهينه الدامغة ، { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ } [ الأنفال : 42 ] .


[14135]:- في ت : "تخبرون".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَـٰٓؤُلَآءِ شُفَعَـٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبِّـُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (18)

وقوله { ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم } الآية ، الضمير في { يعبدون } عائد على الكفار من قريش الذين تقدّمت محاورتهم ، و { ما لا يضرهم ولا ينفعهم } هي الأصنام ، وقولهم { هؤلاء شفعاؤنا } هو مذهب النبلاء منهم ، فأمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يقررهم ويوبخهم أهم يعلمون الله بأنباء من السماوات والأرض لا يعلمها هو ؟ وذكر { السماوات } لأن العرب من يعبد الملائكة والشعرى ، وبحسب هذا حسن أن يقول { هؤلاء } وقيل ذلك على تجوز في الأصنام التي لا تعقل ، وفي التوقيف على هذا أعظم غلبة لهم ، ولا يمكنهم ألا أن يقولوا : لا نفعل ولا نقدر ، وذلك لهم لازم من قولهم : { هؤلاء شفعاؤنا } ، و { سبحانه } استئناف تنزيه لله عز وجل ، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن عامر هنا : «عما يشركون » بالياء على الغيبة ، وفي حرفين في النحل وحرف في الروم وحرف في النمل{[6050]} ، وذكر أبو حاتم أنه قرأها كذلك نافع والحسن والأعرج وابن القعقاع وشيبة وحميد وطلحة والأعمش ، وقرأ ابن كثير ونافع هنا وفي النمل فقط «تشركون » بالتاء على مخاطبة الحاضر ، وقرأ حمزة والكسائي الخمسة الأحرف بالتاء وهي قراءة أبي عبد الرحمن .


[6050]:- أما في (النحل) ففي الآية (1) وهي قوله سبحانه: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون}، وفي الآية (3) وهي قوله تعالى: {خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون}- وأما في الروم ففي الآية (40) وفيها يقول سبحانه وتعالى عما يشركون}- وأما في النمل ففي الآية (63) حيث يقول تبارك وتعالى: {أإله مع الله تعالى الله عما يشركون}. والحجة لمن قرأ بالياء أنه أخبر بها عن المشركين في حالة الغيبة، والحجة لمن قرأ بالتاء أنه أراد: قل لهم يا محمد: تعالى الله عما تشركون أيها الكفرة.