قوله تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُمْ } الآية .
لمَّا طلبُوا تبديل القرآن ؛ لأنَّه مشتملٌ على ذمِّ الأصنامِ التي اتَّخذُوها آلهةً ، ذكر في هذا الموضع قبح عبادة الأصنام ، ليُبيِّنَ تحقيرَها .
قوله : " مَا لاَ يَضُرُّهُمْ " : " ما " موصولةٌ ، أو نكرةٌ موصوفةٌ ، وهي واقعةٌ على الأصنامِ ، ولذلك راعى لفظها ، فأفرد في قوله " مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ " ، وراعى معناها فجمع في قوله : " هؤلاء شُفَعَاؤُنَا " .
المعنى : ما لا يضُرُّهُمْ إن عصوه ، وتركُوا عبادته ، ولا ينفعهم إن عبدوه ، يعني : الأصنام { وَيَقُولُونَ هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله } ، فقيل : إنَّهم اعتقدُوا أنَّ المُتولِّي لكل إقليم ، روح معيَّن من أرواح الأفلاك ، فعيَّنُوا لذلك الرُّوح صنماً معيَّناً ، واشتغلوا بعبادة ذلك الصَّنَم ، ومقصودهم عبادةُ ذلك الرُّوح ، ثم اعتقدُوا أن ذلك الرُّوح ، يكون عبداً للإله الأعظم ، ومشتغلاً بعبوديَّته .
وقيل : إنَّهم كانُوا يعبدُون الكواكب ، فوضعُوا لها أصناماً مُعَيَّنة واشتغلوا بعبادتها ، ومقصودُهُم عبادةُ الكواكبِ ، وقيل : إنَّهم وضعُوا طلَّسْمَاتٍ معينةً على تلك الأوثان والأصنام ، ثم تقرَّبوا إليها .
وقيل : إنَّهُم وضعوا هذه الأوثان والأصنام ، على صور أنبيائهم ، وأكابرهم ، وزعمُوا أنَّهُم متى اشتغلُوا بعبادةِ هذه التماثيل ، فإنَّ أولئك الأكابر تكون شفعاء لهم عند الله .
قوله : " قُلْ أَتُنَبِّئُونَ " قرأ بعضهم{[18350]} : " أتُنْبِئُونَ " مخففاً من " أنْبَأ " ، يقال : أنْبَأ ونَبَّأ كأخْبرَ وخبَّرَ ، وقوله : " بِمَا لاَ يَعْلَمُ " " مَا " موصولةٌ ، أو نكرة موصوفة كالتي تقدَّمت ، وعلى كلا التقديرين : فالعائدُ محذوفٌ ، أي : يعلمُهُ ، والفاعلُ هو ضمير الباري - تعالى - ، والمعنى : أتُنَبِّئُونَ الله بالمعنى الذي لا يعلمُهُ إلاَّ الله ، وإذا لم يعلم الله شيئاً ، استحال وجودُ ذلك الشيء ؛ لأنَّه - تعالى - لا يغربُ عن علمه شيءٌ ، وذلك الشيء هو الشَّفاعة ، ف " مَا " عبارة عن الشفاعة .
والمعنى : أنَّ الشَّفاعة لو كانت لعلمها الباري - تعالى - ، ومثل هذا الكلام مشهورٌ في العرف ، فإنَّ الإنسان إذا أراد نفي شيء عن نفسه ، يقول : ما علم الله هذا منِّي ، ومقصوده : أنَّ ذلكَ ما حصل أصلاً .
وقوله : { فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض } تأكيدٌ لنفيه ؛ لأنَّ كلَّ موجودٍ لا يخرج عنهما . ويجوز أن تكون " مَا " عبارة عن الأصنام ، وفاعل " يَعْلَمُ " : ضميرٌ عائدٌ عليها .
والمعنى : أتُعلمون الله بالأصنامِ ، التي لا تعلم شيئاً في السماوات ولا في الأرض ، وإذا ثبت أنها لا تعلم ، فكيف تشفع ؟ والشافع لا بدَّ وأن يعرف الشمفوع عنده ، والمشفوع له ؛ هكذا أعربه أبو حيَّان ، فجعل " مَا " عبارة عن الأصنام ، لا عن الشَّفاعة ، والأول أظهر ، و " مَا " في " عمَّا يُشْركُونَ " يحتمل أن تكون بمعنى : " الَّذي " أي : عن شركائهم الذين يشركونهم به في العبادة ، أو مصدريةٌ ، أي : عن إشراكهم به غيرهم ، وقرأ الأخوان{[18351]} هنا " عمَّا يُشْرِكُونَ " ، وفي النَّحْل موضعين :
الأول : { عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الملائكة } [ النحل : 1 ، 2 ] .
الثاني : { بالحق تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النحل : 3 ] .
وفي الروم : { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الروم : 40 ] بتاء الخطاب ، والباقون بالغيبة في الجميع ، وهما واضحتان ، وأتى هنا ب " يَشْرِكونَ " مضارعاً دون الماضي ، تنبيهاً على استمرار حالهم كما جاءُوا يعبدون ، وتنبيهاً أيضاً على أنَّهم على الشرك في المستقبل ، كما كانوا عليه في الماضي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.