الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَـٰٓؤُلَآءِ شُفَعَـٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبِّـُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (18)

قوله تعالى : { مَا لاَ يَضُرُّهُمْ } : " ما " موصولة ، أو نكرةٌ موصوفةٌ وهي واقعةٌ على الأصنام ، ولذلك راعى لفظها ، فأفرد في قوله : { مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } ومعناها فجمع في قوله " هؤلاء شفعاؤنا " .

قوله : { أَتُنَبِّئُونَ } قرأ بعضهم : " أتُنْبِئون " مخففاً مِنْ أنبأ ، يقال : أنبأ ونبَّأ كأخبرَ وخبَّر . وقوله : { بِمَا لاَ يَعْلَمُ } " ما " موصولةٌ بمعنى الذي أو نكرة موصوفة كالتي تقدمت . وعلى كلا التقديرين فالعائد محذوف ، أي : يعلمه . والفاعل هو ضمير الباري تعالى ، والمعنى : أتنبِّئوون الله بالذي لا يعلمه الله ، وإذا لم يعلم الله شيئاً استحال وجودُ ذلك الشيء ، لأنه تعالى لا يَعْزُب عن علمه شيء ، وذلك الشيء هو الشفاعة ، ف " ما " عبارة عن الشفاعة .

والمعنى : أن الشفاعةَ لو كانَتْ لَعَلِمَهَا الباري تعالى . وقوله : { فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ } تأكيدٌ لنفيه ، لأنَّ كل موجود لا يَخْرج عنهما . ويجوزُ أن تكونَ " ما " عبارةً عن الأصنام . وفاعل " يعلمُ " ضميرٌ عائد عليها . والمعنى : أَتُعَلِّمون اللَّهَ بالأصنامِ التي لا تَعْلَم شيئاً في السموات ولا في الأرض ، وإذا ثَبَتَ أنها لا تعلم فكيف تشفع ؟ والشافع لا بد وأن يعرفَ المشفوعَ عنده ، والمشفوعَ له ، هكذا أعربه الشيخ ، فجعل " ما " عبارة عن الأصنام لا عن الشفاعة ، والأول أظهر . و " ما " في " عَمَّا يشركون " يُحتمل أن تكونَ بمعنى الذي ، أي : عن شركائهم الذي يُشْركونهم به في العبادة . أو مصدريةٌ ، أي : عن إشراكهم به غيره .

وقرأ الأخَوان هنا " عَمَّا يُشْركون " ، وفي النحل موضعين ، الأول :

{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ } [ الآية : 1 ] ، والثاني :

{ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الآية : 3 ] . وفي الروم : { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُمْ مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ الآية : 40 ] بالخطاب . والباقون بالغَيْبة في الجميع . والخطاب والغيبة واضحتان .

وأتى هنا ب " يُشْركون " مضارعاً دون الماضي تنبيهاً على استمرار حالِهم كما جاؤوا يعبدون ، وتنبيهاً أيضاً على أنَّهم على الشرك في المستقبل ، كما كانوا عليه في الماضي .