فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَـٰٓؤُلَآءِ شُفَعَـٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبِّـُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (18)

ثم نعى الله سبحانه عليهم عبادة الأصنام ، وبين أنها لا تنفع من عبدها ولا تضرّ من لم يعبدها ، فقال : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله } أي : متجاوزين الله سبحانه إلى عبادة غيره ، لا بمعنى ترك عبادته بالكلية { مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ } أي : ما ليس من شأنه الضرّر ولا النفع ، ومن حق المعبود أن يكون مثيباً لمن أطاعه معاقباً لمن عصاه ، والواو لعطف هذه الجملة على جملة { وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آياتنا } و{ ما } في { مَالاَ يَضُرُّهُمْ } موصولة أو موصوفة ، والواو في { وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله } للعطف على { وَيَعْبُدُونَ } زعموا أنهم يشفعون لهم عند الله ، فلا يعذبهم بذنوبهم . وهذا غاية الجهالة منهم ، حيث ينتظرون الشفاعة في المآل ممن لا يوجد منه نفع ولا ضرّ في الحال . وقيل : أرادوا بهذه الشفاعة إصلاح أحوال دنياهم ، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب عنهم ، فقال : { قُلْ أَتُنَبّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السموات وَلاَ فِي الأرض } قرأ أبو السمال العدوي «تنبئون » بالتخفيف من أنبأنا ينبئ . وقرأ من عداه بالتشديد من نبأ ينبئ . والمعنى : أتخبرون الله أن له شركاء في ملكه يعبدون كما يعبد ، أو أتخبرونه أن لكم شفعاء بغير إذنه ، والله سبحانه لا يعلم لنفسه شريكاً ولا شفيعاً بغير إذنه من جميع مخلوقاته الذين هم في سمواته وفي أرضه ؟ وهذا الكلام حاصله : عدم وجود من هو كذلك أصلاً ، وفي هذا من التهكم بالكفار مالا يخفى ، ثم نزّه الله سبحانه نفسه عن إشراكهم ، وهو يحتمل أن يكون ابتداء كلام غير داخل في الكلام الذي أمر الله سبحانه رسوله أن يجيب به عليهم ، ويحتمل أن يكون من تمام ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم جواباً عليهم .

قرأ حمزة والكسائي { عَمَّا يُشْرِكُونَ } بالتحتية . وقرأ الباقون بالفوقية ، واختار القراءة الأولى أبو عبيد .

/خ19