نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَـٰٓؤُلَآءِ شُفَعَـٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ قُلۡ أَتُنَبِّـُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (18)

ويجوز أن يكون { ويعبدون } حالاً من { الذين لا يرجون لقاءنا } أي قالوا{[37742]} ذلك عابدين { من دون الله } أي الملك الأعلى الذي له جميع{[37743]} صفات الكمال الذي ثبت عندهم أن هذا القرآن كلامه لعجزهم عن معارضة شيء منه وهو ينهاهم عن عبادة غيره وهم يعلمون قدرته على الضر والنفع .

ولما كان السياق للتهديد والتخويف ، قدم الضر لذلك وتنبيهاً لهم على أنهم مغمورون في نعمه التي لا قدرة لغيره على منع شيء منها ، فعليهم أن يقيدوها بالشكر فقال : { ما لا يضرهم } أي أصلاً من الأصنام وغيرها { ولا ينفعهم } في معارضة القرآن بتبديل أو غيره ولا في شيء من الأشياء ، ومن حق المعبود أن يكون مثيباً على الطاعة معاقباً على المعصية وإلا كانت عبادته عبثاً ، معرضين عما جاءهم من الآيات البينات من عند{[37744]} من{[37745]} يعلمون أنه يضرهم وينفعهم ولا يملك شيئاً من ذلك أحد سواه ، وقد أقام الأدلة على ذلك غير مرة ، وفي هذا غاية التبكيت لهم{[37746]} بمنابذة العقل مع ادعائهم رسوخ الأقدام فيه وتمكن المجال منه ؛ والعبادة : خضوع بالقلب في أعلى مراتب الخضوع ؛ ثم عجب منهم تعجيباً آخر فقال : { ويقولون } أي لم يكفهم قول ذلك مرة من الدهر حتى يجددوا قوله مستمرين عليه : { هؤلاء } أي الأصنام أو غيرهم { شفعاؤنا } أي ثابتة شفاعتهم لنا { عند الله } أي الملك الأعظم{[37747]} الذي لا يمكن الدنو {[37748]}من شيء{[37749]} من حضرته إلا بإذنه ، وقد مضى إبطال ما تضمنته هذه المقالة في قوله تعالى { ما من شفيع إلا من بعد إذنه } وفيه تخجيلهم في العجز عن تبديل القرآن أو الإتيان بشيء من مثله حيث لم تنفعهم في{[37750]} ذلك فصاحتهم ولا أغنت عنهم شيئاً بلاغتهم ، وأعوزهم في شأنه فصحاءهم ، وضل عنهم شفعاءهم ، فدل ذلك قطعاً على أنه ما من شفيع إلا{[37751]} بإذنه {[37752]}من بعد{[37753]} ، فكأنه قال : بماذا أجيبهم{[37754]} ؟ فقال : { قل } منكراً عليهم هذا العلم { أتنبئون } أي تخبرون إخباراً عظيماً { الله } وهو العالم بكل شيء المحيط بكل كمال { بما لا يعلم } أي لا يوجد له به علم في وقت من الأوقات { في السماوات } ولما كان الحال مقتضياً لغاية الإيضاح ، كرر النافي تصريحاً فقال : { ولا في الأرض } وفي ذلك من الاستخفاف بعقولهم مما{[37755]} لا يقدرون على الطعن فيه بوجه ما يخجل الجماد ، فإن ما {[37756]}لا يكون معلوماً لله{[37757]} لا يكون له وجود أصلاً ، فلا نفي أبلغ من هذا كما أنك إذا بالغت في نفي شيء عن نفسك تقول : هذا شيء ما علمه الله مني .

ولما بين تعالى هنا ما هم عليه من سخافة العقول وركاكة الآراء{[37758]} ، ختم ذلك بتنزيه{[37759]} نفسه بقوله : { سبحانه } أي تنزه عن كل شائبة نقص تنزهاً لا يحاط به { وتعالى } أي وفعل بما له من الإحاطة بأوصاف الكمال فعل المبالغ في التنزه{[37760]} { عما يشركون* } أي يوجدون الإشراك به .


[37742]:في ظ: قال.
[37743]:سقط من ظ.
[37744]:من ظ، وفي الأصل: عنده.
[37745]:زيد من ظ.
[37746]:من ظ، وفي الأصل: عليهم.
[37747]:سقط من ظ.
[37748]:في ظ: لشيء.
[37749]:في ظ: لشيء.
[37750]:في ظ: من.
[37751]:زيد بعده في ظ: من.
[37752]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[37753]:سقط ما بين الرقمين من ظ.
[37754]:في ظ: أجبتم.
[37755]:في ظ: ما.
[37756]:تكرر بعده في الأصل: لا يكون معلوما لله، ولم يكن التكرار في ظ فحذفناها.
[37757]:تكرر بعده في الأصل: لا يكون معلوما لله، ولم يكن التكرار في ظ فحذفناها.
[37758]:زيدت الواو بعده في الأصل ولم تكن في ظ فحذفناها.
[37759]:في ظ: بتبرية.
[37760]:من ظ، وفي الأصل: النفرة.