تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{۞وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (24)

وقوله [ تعالى ]{[7007]} { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } أي : وحرم عليكم الأجنبيات المحصنات وهي المزوجات { إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } يعني : إلا ما{[7008]} ملكتموهن بالسبي ، فإنه يحل لكم وطؤهن إذا استبرأتموهن ، فإن الآية نزلت في ذلك .

قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان - هو الثوري - عن عثمان البَتِّي ، عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد الخدري قال : أصبنا نساء{[7009]} من سبي أوطاس ، ولهن أزواج ، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج ، فسألنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فنزلت هذه الآية : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ قال ]{[7010]} فاستحللنا فروجهن .

وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع ، عن هُشَيم ، ورواه النسائي من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج ، ثلاثتهم عن عثمان البتي ، ورواه ابن جرير من حديث أشعث بن سواري عن عثمان البتي ، ورواه مسلم في صحيحه من حديث شعبة عن قتادة ، كلاهما عن أبي الخليل صالح بن أبي مريم ، عن أبي سعيد الخدري ، فذكره ، وهكذا رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة عن أبي الخليل ، عن أبي سعيد ، به{[7011]} .

وقد روي من وجه آخر عن أبي الخليل ، عن أبي عَلْقَمَةَ الهاشمي ، عن أبي سعيد قال الإمام أحمد :

حدثنا ابن أبي عَدِيّ ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن أبي الخليل ، عن أبي عَلْقَمَةَ ، عن أبي سعيد الخدري ؛ أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابوا سبايا يوم أوطاس ، لهن أزواج من أهل الشرك ، فكان أناسًا{[7012]} من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وتأثموا{[7013]} من غشيانهن قال : فنزلت هذه الآية في ذلك : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }

وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث سعيد بن أبي عَرُوبة - زاد مسلم : وشعبة - ورواه الترمذي من حديث همام بن يحيى ، ثلاثتهم عن قتادة ، بإسناده نحوه . وقال الترمذي : هذا حديث حسن ، ولا أعلم أن أحدا ذكر أبا علقمة في هذا الحديث إلا ما ذكر همام عن قتادة . كذا قال . وقد تابعه سعيد وشعبة ، والله أعلم{[7014]} .

وقد روى الطبراني من طريق الضحاك عن ابن عباس : أنها نزلت في سبايا خيبر ، وذكر مثل حديث أبي سعيد ، وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن بيع الأمة يكون طلاقا لها من زوجها ، أخذا بعموم هذه الآية . قال ابن جرير : حدثنا ابن مثنى ، حدثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : أنه سُئل عن الأمة تباع ولها زوج ؟ قال : كان عبد الله يقول : بيعها طلاقها ، ويتلو هذه الآية{[7015]} { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }

وكذا رواه سفيان{[7016]} عن منصور ، ومغيرة والأعمشن عن إبراهيم ، عن ابن مسعود قال : بيعها طلاقها . وهو منقطع .

وقال سفيان الثوري ، عن خالد ، عن أبي قِلابة ، عن ابن مسعود قال : إذا بيعت الأمة ولها زوج فسيدها أحق ببضعها .

ورواه سعيد ، عن قتادة قال : إن أبي بن كعب ، وجابر بن عبد الله ، وابن عباس قالوا : بيعها طلاقها .

وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، [ حدثنا ]{[7017]} ابن علية ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : طلاق الأمة ست{[7018]} بيعها طلاقها ، وعتقها طلاقها ، وهبتها طلاقها ، وبراءتها طلاقها ، وطلاق زوجها طلاقها .

وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب قوله : { وَالْمُحْصَناَتُ مِنَ النِّسَاءِ } قال : هُن{[7019]} ذوات الأزواج ، حرّم الله نكاحهن إلا ما ملكت يمينك{[7020]} فبيعها طلاقها وقال معمر : وقال الحسن مثل ذلك .

وهكذا رواه سعيد بن أبي عَرُوبة ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } قال : إذا كان لها زوج فبيعها طلاقها .

وقال عوف ، عن الحسن : بيع الأمة طلاقها وبيعُه طلاقُها .

فهذا قول هؤلاء من السلف [ رحمهم الله ]{[7021]} وقد خالفهم الجمهور قديمًا وحديثًا ، فرأوا أن بيع الأمة ليس طلاقها{[7022]} ؛ لأن المشتري نائب عن البائع ، والبائع كان قد أخرج عن ملكه هذه المنفعة وباعها مسلوبة عنها ، واعتمدوا في ذلك على حديث بريرة المخرج في الصحيحين وغيرهما ؛ فإن عائشة أم المؤمنين اشترتها وَنَجَّزَتْ عتقها ، ولم ينفسخ نكاحها من زوجها مغيث ، بل خيرها النبي صلى الله عليه وسلم بين الفسخ والبقاء ، فاختارت الفسخ ، وقصتها مشهورة ، فلو كان بيع الأمة طلاقها - كما قال{[7023]} هؤلاء لما خيرها النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما خيرها دل على بقاء النكاح ، وأن المراد من الآية المسبيات فقط ، والله أعلم .

وقد قيل : المراد بقوله : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ } يعني : العفائف حرام عليكم حتى تملكوا عصمتهن بنكاح وشهود ومهور وولي واحدة أو اثنتين{[7024]} أو ثلاثًا أو أربعا . حكاه ابن جرير عن أبي العالية وطاوس وغيرهما . وقال عُمَر وعبيدة : { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ } ما عدا الأربع حرام عليكم إلا ما ملكت أيمانكم .

وقوله : { كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ } أي : هذا التحريم كتاب كتبه الله عليكم ، فالزموا كتابه ، ولا تخرجوا عن حدوده ، والزموا شرعه وما فرضه .

وقد قال عبيدة وعطاء والسّدّي في قوله : { كِتَابَ الله عَلَيْكُم } يعني الأربع . وقال إبراهيم : { كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ } يعني : ما حرم عليكم .

وقوله : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } أي : ما عدا من ذكرن من المحارم هن لكم حلال ، قاله عطاء وغيره . وقال عبيدة والسدي : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } ما دون الأربع ، وهذا بعيد ، والصحيح قول عطاء كما تقدم . وقال قتادة { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } يعني : ما ملكت أيمانكم .

وهذه الآية هي{[7025]} التي احتج بها من احتج على تحليل الجمع بين الأختين ، وقول من قال : أحلتهما آية وحرمتهما آية{[7026]} .

وقوله : { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } أي : تحصلوا بأموالكم من الزوجات إلى أربع أو السراري ما شئتم بالطريق الشرعي ؛ ولهذا قال : { مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ }

وقوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } أي : كما تستمتعون بهن فآتوهن مهورهن في مقابلة ذلك ، كقوله : { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ{[7027]} إِلَى بَعْضٍ } [ النساء : 21 ] وكقوله { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } وكقوله [ النساء : 4 ] { وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا } [ البقرة : 229 ]

وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ، ولا شك أنه كان مشروعًا في ابتداء الإسلام ، ثم نسخ بعد ذلك . وقد ذهب الشافعي وطائفة من العلماء إلى أنه أبيح ثم نسخ ، ثم أبيح ثم نسخ ، مرتين . وقال آخرون أكثر من ذلك ، وقال آخرون : إنما أبيح مرة ، ثم نسخ ولم يبح بعد ذلك .

وقد رُويَ عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القولُ بإباحتها للضرورة ، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمهم الله تعالى . وكان ابن عباس ، وأبيّ بن كعب ، وسعيد بن جُبَيْر ، والسُّدِّي يقرءون : " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة " . وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة ، ولكن الجمهور على خلاف ذلك ، والعمدة ما ثبت في الصحيحين ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ]{[7028]} قال : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر{[7029]} ولهذا الحديث ألفاظ مقررة هي في كتاب " الأحكام " .

وفي صحيح مسلم عن الربيع بن سَبْرَة بن معبد الجهني ، عن أبيه : أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة ، فقال : " يأيها الناس ، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، وإن الله قد حَرم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهن{[7030]} شيء فليخل سبيله ، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا " وفي رواية لمسلم في حجة الوداع{[7031]} وله ألفاظ موضعها كتاب " الأحكام " .

وقوله : { وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } من حمل هذه الآية على نكاح المتعة إلى أجل مسمى قال : فلا{[7032]} جناح عليكم إذا انقضى الأجل أن تراضوا{[7033]} على زيادة به وزيادة للجعل{[7034]} .

قال السدي : إن شاء أرضاها من بعد الفريضة الأولى - يعني الأجر الذي أعطاها على تمتعه بها - قبل انقضاء الأجل بينهما فقال : أتمتع منك أيضا بكذا وكذا ، فازداد{[7035]} قبل أن يستبرئ رحمها يوم تنقضي المدة ، وهو قوله : { وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } .

قال السدي : إذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ، وهي منه بريئة ، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، فلا{[7036]} يرث واحد منهما صاحبه .

ومن قال بالقول الأول جعل معناه كقوله : { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً [ فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ]{[7037]} } [ النساء : 4 ] أي : إذا فرضت{[7038]} لها صداقًا فأبرأتك منه ، أو عن شيء منه فلا جناح عليك ولا عليها في ذلك .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه قال : زعم الحضرمي أن رجالا كانوا يفرضون{[7039]} المهر ، ثم عسى أن يدرك أحدهم العسرة ، فقال : { وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } أيها الناس { فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرَيضَةِ } يعني : إن وضعت لك منه شيئا فهو لك سائغ ، واختار هذا القول ابن جرير ، وقال [ علي ]{[7040]} بن أبي طلحة عن ابن عباس : { وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } والتراضي أن يُوَفيها صداقها ثم يخيرها ، ويعني{[7041]} في المقام أو الفراق .

وقوله : { إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } مناسب ذكر هذين الوصفين بعد شرع هذه المحرمات [ العظيمة ]{[7042]} .


[7007]:زيادة من أ.
[7008]:في أ: "يعنى الإماء".
[7009]:في أ: "سبيًا".
[7010]:زيادة من جـ، أ.
[7011]:تفسير عبد الرزاق (1/153) وسنن الترمذي برقم (3017) وسنن النسائي الكبرى برقم (11097) وصحيح مسلم برقم (1456) وتفسير الطبري (8/153).
[7012]:في أ: "وكان ناس".
[7013]:في جـ، ر: "أو تأثموا".
[7014]:المسند (3/84) وصحيح مسلم برقم (1456) وسنن أبي داود برقم (2155) وسنن النسائي (6/110) وسنن الترمذي برقم (3016).
[7015]:في أ: "الآيات".
[7016]:في أ: "شقيق".
[7017]:زيادة من جـ، ر، أ.
[7018]:المذكور في رواية كل النسخ خمس لا ست.
[7019]:في جـ، ر، أ: "هذه".
[7020]:في ر: "يمينك فيها".
[7021]:زيادة من جـ، أ.
[7022]:في ر، أ: "طلاقا لهما".
[7023]:في جـ، ر، أ: "قاله".
[7024]:في أ: "واحد أو اثنين".
[7025]:في جـ، ر، أ: "هي الآية".
[7026]:في أ: "أحلتها آية وحرمتها آية".
[7027]:في أ: "بعضهم".
[7028]:زيادة من جـ.
[7029]:صحيح البخاري رقم (4216) وصحيح مسلم برقم (1407).
[7030]:في أ: "منه".
[7031]:صحيح مسلم برقم (1406).
[7032]:في جـ: "لا جناح".
[7033]:في جـ: "تتراضوا"
[7034]:في جـ: "الجعل".
[7035]:في جـ، ر: "فإن زاد".
[7036]:في جـ، أ: "ليس".
[7037]:زيادة من جـ، ر، أ، وفي هـ: "الآية".
[7038]:في ر: "فرضتم".
[7039]:في أ: "يقرضون".
[7040]:زيادة من ر، أ.
[7041]:في أ: "بعد".
[7042]:زيادة من جـ، أ.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (24)

قوله عز وجل : { والمحصنات } عطف على المحرمات قبل ، والتحصن : التمنع ، يقال حصن المكان : إذا امتنع ، ومنه الحصن ، وحصنت المرأة : امتنعت بوجه من وجوه الامتناع ، وأحصنت نفسها ، وأحصنها غيرها ، والإحصان تستعمله العرب في أربعة أشياء ، وعلى ذلك تصرفت اللفظة في كتاب الله عز وجل ، فتستعمله في الزواج ، لأن ملك الزوجة منعة وحفظ ، ويستعملون الإحصان في الحرية لأن الإماء كان عرفهن في الجاهلية الزنا ، والحرة بخلاف ذلك ، ألا ترى إلى قولة هند بنت عتبة للنبي عليه السلام ، حين بايعته ، وهل تزني الحرة ؟ قالحرية منعة وحفظ ، ويستعملون الإحصان في الإسلام لأنه حافظ ، ومنه قول النبي عليه السلام «الإيمان قيد الفتك »{[3924]} ومنه قول الهذلي :

فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدَّارِ يَا أمَّ مَالِكٍ . . . ولكنْ أَحَاطَتْ بالرِّقابِ السَّلاسِلُ{[3925]}

ومنه قول الشاعر :

قالَتْ هَلُمَّ إلى الحَديثِ فَقُلْتُ لا . . . يَأبى عَلَيْكِ اللَّهُ والإسْلامُ{[3926]}

ومنه قول سحيم :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** كَفى الشَّيْبُ والإسْلامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيا{[3927]}

ومنه قول أبي حية :

رَمَتْني وَسِتْرُ اللّهِ بيني وبينَها . . . فإن أحد الأقوال في الستر أنه أراد به الإسلام ، ويستعملون الإحصان في العفة ، لأنه إذا ارتبط بها إنسان وظهرت على شخص ما وتخلق بها ، فهي منعة وحفظ{[3928]} .

وحيثما وقعت اللفظة في القرآن فلا تجدها تخرج عن هذه المعاني ، لكنها قد تقوى فيها بعض هذه المعاني دون بعض ، بحسب موضع وموضع ، وسيأتي بيان ذلك في أماكنه إن شاء الله .

فقوله في هذه الآية { والمحصنات } ، قال ابن عباس وأبو قلابة وابن زيد ومكحول والزهري وأبو سعيد الخدري : هن ذوات الأزواج ، أي هن محرمات ، إلا ما ملكت اليمين بالسبي ، من أرض الحرب ، فإن تلك حلال للذي تقع في سهمه ، وإن كان لها زوج{[3929]} .

وروى أبو سعيد الخدري : أن الآية نزلت بسبب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً إلى أوطاس{[3930]} فلقوا عدواً وأصابوا سبياً لهن أزواج من المشركين ، فتأثم{[3931]} المسلمون من غشيانهن ، فنزلت الآية مرخصة{[3932]} ، وقال عبد الله بن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن ابن أبي الحسن وأبيّ بن كعب وجابر بن عبد الله وابن عباس أيضاً : معنى { المحصنات } ذوات الأزواج ، فهن حرام إلا أن يشتري الرجل الأمة ذات الزوج ، فإن بيعها طلاقها ، وهبتها طلاقها والصدقة بها طلاقها ، وأن تعتق طلاقها ، وأن تورث طلاقها ، وتطليق الزوج طلاقها ، وقال ابن مسعود : إذا بيعت الأمة ولها زوج فالمشتري أحقّ ببضعها ، ومذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء أن انتقال الملك في الأمة لا يكون طلاقاً ، ولا طلاق لها إلا الطلاق ، وقال قوم : { المحصنات } في هذه الآية العفائف ، أي كل النساء حرام ، وألبسهن اسم الإحصان ، إذ الشرائع في أنفسها تقتضي ذلك ، { إلا ما ملكت إيمانكم } قالوا : معناه بنكاح أو شراء ، كل ذلك تحت ملك اليمين{[3933]} ، قال بهذا القول أبو العالية وعبيدة السلماني وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء ، ورواه عبيده عن عمر رضي الله عنه ، وقال ابن عباس : { المحصنات } العفائف من المسلمين ومن أهل الكتاب .

قال القاضي أبو محمد : وبهذا التأويل يرجع معنى الآية إلى تحريم الزنا ، وأسند الطبري عن عروة أنه قال في تأويل قوله تعالى : { والمحصنات } : هن الحرائر ، ويكون { إلا ما ملكت أيمانكم } معناه بنكاح ، هذا على اتصال الاستثناء ، وإن أريد الإماء فيكون الاستثناء منقطعاً ، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : كان نساء يأتيننا مهاجرات ، ثم يهاجر أزواجهن فمنعناهن بقوله تعالى : { والمحصنات } الآية .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول يرجع إلى ما قد ذكر من الأقوال ، وأسند الطبري أن رجلاً قال لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية { والمحصنات من النساء } فلم يقل فيها شيئاً ؟ فقال سعيد : كان ابن عباس لا يعلمها وأسند أيضاً عن مجاهد أنه قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل قوله : { والمحصنات }إلى قوله : { حكيماً } .

قال القاضي أبو محمد : ولا أدري كيف نسب هذا القول إلى ابن عباس ولا كيف انتهى مجاهد إلى هذا القول{[3934]} ؟ وروي عن ابن شهاب أنه سئل عن هذه الآية { والمحصنات من النساء } فقال : يروى أنه حرم في هذه الآية ذوات الأزواج والعفائف من حرائر ومملوكات ، ولم يحل شيئاً من ذلك إلا بالنكاح أو الشراء والتملك ، وهذا قول حسن عمم لفظ الإحسان ولفظ ملك اليمين ، وعلى هذا التأويل يتخرج عندي قول مالك في الموطأ ، فإنه قال : هن ذوات الأزواج ، وذلك راجع إلى أن الله حرم الزنا ، ففسر الإحصان بالزواج ، ثم عاد عليه بالعفة{[3935]} .

وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة ، «والمحصّنات » بفتح الصاد في كل القرآن ، وقرأ الكسائي كذلك في هذا الموضع وحده ، وقرأ سائر ما في القرآن المحصنات بكسر الصاد «ومحصِنات » كذلك ، وروي عن علقمة أنه قرأ جميع ما في القرآن بكسر الصاد ، ففتح الصاد هو على معنى أحصنهن غيرهن من زوج أو إسلام أو عفة أو حرية . وكسر الصاد هو على معنى أنهن أحصنَّ أنفسهن بهذه الوجوه أو ببعضها ، وقرأ يزيد بن قطيب «والمحصُنات » بضم الصاد ، وهذا على إتباع الضمة الضمة{[3936]} .

وقرأ جمهور الناس «كتاب الله » وذلك نصب على المصدر المؤكد ، وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السميفع اليماني «كَتَبَ اللهُ عليكم » على الفعل الماضي المسند إلى اسم الله تعالى ، وقال عبيدة السلماني وغيره : قوله { كتاب الله عليكم } إشارة إلى ما ثبت في القرآن من قوله : { مثنى وثلاث ورباع }{[3937]} وفي هذا بعد ، والأظهر لأن قوله { كتاب الله عليكم } إنما هو إشارة إلى التحريم الحاجز بين الناس وبين ما كانت العرب تفعله ، واختلفت عبارة المفسرين في قوله تعالى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } فقال السدي : المعنى وأحل لكم ما دون الخمس ، أن تبتغوا بأموالكم ، على وجه النكاح ، وقال نحوه عبيدة السلماني ، وقال عطاء وغيره : المعنى «وأحل لكم ما وراء » من حرم من سائر القرابة ، فهن حلال لكم تزويجهن ، وقال قتادة : المعنى : { وأحل لكم ما وراء ذلكم } من الإماء .

قال القاضي أبو محمد : ولفظ الآية يعم جميع هذه الأقوال : وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر «وأَحل لكم » بفتح الألف والحاء ، وهذا مناسبة لقوله { كتاب الله } إذ المعنى كتب الله ذلك كتاباً ، وقرأ حمزة والكسائي «وأحِل » بضم الهمزة وكسر الحاء وهذه مناسبة لقوله : { حرمت عليكم } والوراء في هذه الآية ما يعتبر أمره بعد اعتبار المحرمات ، فهن وراء أولئك بهذا الوجه{[3938]} ، و { أن تبتغوا بأموالكم } ، لفظ يجمع التزويج والشراء و { أن } في موضع نصب ، وعلى قراءة حمزة في موضع رفع ، ويحتمل النصب بإسقاط الباء{[3939]} ، و { محصنين } ، معناه متعففين أي تحصنون أنفسكم بذلك { غير مسافحين } ، أي غير زناة ، والسفاح : الزنا ، وهو مأخوذ من سفح الماء أي صبه وسيلانه{[3940]} ، ولزم هذا الاسم الزنا ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع الدفاف{[3941]} في عرس : هذا النكاح لا السفاح ولا نكاح السر . واختلف المفسرون في معنى قوله : { فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة } فقال ابن عباس ومجاهد والحسن وابن زيد وغيرهم : المعنى فإذا استمتعتم بالزوجة ووقع الوطء ولو مرة فقد وجب إعطاء الأجر ، وهو المهر كله ، ولفظة { فما } تعطي أن بيسير الوطء يجب إيتاء الأجر . وروي عن ابن عباس أيضاً ومجاهد والسدي وغيرهم : أن الآية في نكاح المتعة ، وقرأ ابن عباس وأبيّ بن كعب وسعيد بن جبير ، «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهنَّ أجورهن » وقال ابن عباس لأبي نضرة : هكذا أنزلها الله عز وجل ، وروى الحكم بن عتيبة ، أن علياً رضي الله عنه قال : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقيّ ، وقد كانت المتعة لا ميراث فيها ، وقيل قول الله تعالى : { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن }{[3942]} [ الطلاق : 1 ] وقالت عائشة : نسخها قوله : { والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم }{[3943]} ولا زوجية مع الأجل ورفع الطلاق ، والعدة ، والميراث ، وكانت{[3944]} : أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى ، وعلى أن لا ميراث بينهما ، ويعطيها ما اتفقا عليه ، فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل ، وتستبرىء رحمها لأن الولد لاحق فيه بلا شك ، فإن لم تحمل حلت لغيره .

قال القاضي أبو محمد : وفي كتاب النحاس : في هذا خطأ فاحش في اللفظ ، يوهم أن الولد لا يلحق في نكاح المتعة{[3945]} ، وحكى المهدوي عن ابن المسيب : أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود ، وفيما حكاه ضعف ، و { فريضة } نصب على المصدر في موضع الحال{[3946]} .

واختلف المفسرون في معنى قوله : { ولا جناح عليكم } الآية ، فقال القائلون بأن الآية المتقدمة أمر بإيتاء مهور النساء إذا دخل بهن : إن هذه إشارة إلى ما يتراضى به من حط أو تأخير بعد استقرار الفريضة ، فإن ذلك الذي يكون على وجه الرضا جائز ماض ، وقال القائلون بأنه الآية المتقدمة هي أمر المتعة : إن الإشارة بهذه إلى أن ما تراضيا عليه من زيادة في مدة المتعة وزيادة في الأجر جائز سائغ ، وباقي الآية بين .


[3924]:- هذا جزء من حديث رواه البخاري في تاريخه، وأبو داود في سننه، والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة، وأخرجه الإمام أحمد في المسند عن الزبير ومعاوية، قال المناوي: "وسنده جيد ليس فيه إلا أسباط بن الهمذاني وإسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وقد خرج لهما مسلم". المناوي على الجامع جـ3 ص 186، والحديث بتمامه: (الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن). والفتك: أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل فيشد عليه فيقتله، والغيلة: أن يخدعه ثم يقتله في موضع خفي. النهاية.
[3925]:- يريد أن تكاليف الشريعة قد قيدت الناس ومنعتهم من فعل المعاصي.
[3926]:- المعنى أن الإسلام قد منعه من الحديث وما يتبعه.
[3927]:- هذا عجز البيت، وصدره كما في الديوان: عُميرة ودّع إن تجهزت غاديا. .......................... ورُوي: عن أبي بكر: "هريرة ودع". والبيت كالبيتين السابقين عليه يدل على أن معنى الإحصان يستعمل في الإسلام لأنه يحفظ المسلم.
[3928]:- ومنه قول الله تعالى: [محصنات غير مسافحات]، وقوله تعالى: [محصنين غير مسافحين]، ومحصنة ومحصِنة وحصان: عفيفة ممتنعة من الفسق، قال حسان في عائشة رضي الله عنها: حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل. ومعنى تُزنّ: تُتَّهم- ومعنى غَرْثَى: جائعة، والمراد أنها لا تغتاب غيرها.
[3929]:- وهذا هو قول الشافعي إذ يرى أن السباء يقطع العصمة، وقاله ابن وهب ابن عبد الحكيم وروياه عن مالك، وقال به أشهب- روى ذلك القرطبي جـ 5 ص 121، واستدل على ذلك بالحديث الآتي الذي رواه أبو سعيد الخدري.
[3930]:- أوطاس: واد بديار هوازن.
[3931]:- تأثّم: تحرج- وقد روي الحديث بلفظ (تحرّج)، في صحيح مسلم.
[3932]:- "أخرج الطيالسي، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وأبو يعلى، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطحاوي، وابن حبان، والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين جيشا إلى أوطاس، فلقوا عدوا فقاتلوهم، فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله في ذلك: [والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم] (يقول: إلا ما أفاء الله عليكم، فاستحللنا بذلك فروجهن" (الدر المنثور ج2 ص 138)، قال القرطبي بعد أن روى الحديث: " وهذا نص صحيح صريح في أن الآية نزلت بسبب تحرّج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن وطء المسبيات ذوات الأزواج" ج5 ص 121. ولكن يشترط انقضاء العدة.
[3933]:-لعلّ صحة العبارة: إذ كل ذلك تحت ملك اليمين، وعبارة "البحر المحيط": فيدخل ذلك كله تحت ملك اليمين، قال القرطبي: "فأدخلوا النكاح تحت ملك اليمين. يعني: تملكون عصمتهن بالنكاح، وتملكون الرقبة بالشراء، فكأنهن كلهن ملك اليمين، وما عدا ذلك فزنى، وهذا قول حسن" 5-122.
[3934]:- منهج ابن عطية في هذا التفسير ألا ينقل إلا ما يرتاح إليه، وكان ينقل عن ابن جرير الطبري أو غيره من كبار العلماء ثم يعقب بالنقد إذا كان عقله لا يقبل الكلام المنقول. وقد أخذ ابن تيمية على ابن عطية هذا الاتجاه على اعتبار أن ما يروى عن علماء السلف يجب أن يقبل ما دامت الرواية صحيحة، ولكن ابن عطية على حق في منهجه الذي يحكم العقل إلى جانب النقل.
[3935]:- اختار ابن عطية ما رواه ابن شهاب، وعلّل لاختياره بأنه عمم لفظ الإحصان، ولفظ ملك اليمين، وخرّج عليه قول مالك. أما أبو حيان في "البحر المحيط" فقال: "والذي يقتضيه لفظ الإحصان أن يعلق بالقدر المشترك بين معانيه الأربعة وإن اختلفت جهات الإحصان، ويحمل قوله: [إلا ما ملكت أيمانكم] على ظاهر استعماله في القرآن، وفي السنة، وفي عرف العلماء من أن المراد به: الإماء، ويعود الاستثناء إلى ما صح أن يعود عليه من جهات الإحصان" 3/214.
[3936]:- أي: إتباع ضمة الصاد لضمة الميم، ولم يعتدوا بالحاجز وهو الحاء لأنه ساكن، فهو حاجز غير حصين.
[3937]:- من قوله تعالى: [فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع]. في الآية (3) من سورة (النساء) هذه، فعبيدة السلماني يجعل (كتاب الله) متعلقا بقوله تعالى: [فانكحوا...]، وهذا هو السبب في قول ابن عطية: "وفي هذا بعد"، والظاهر أن [كتاب الله] مصدر مؤكد كما قال ابن عطية، قال أبو حيان: "وما ذهب إليه الكسائي من أنه يجوز تقديم المفعول في باب الإعراب- الظروف والمجرورات مستدلا بهذه الآية، إذ تقدير ذلك عنده: عليكم كتاب الله، أي الزموا كتاب الله- لا يتم دليله لاحتمال أن يكون مصدرا مؤكدا" 3/214.
[3938]:-قال الزجاج: ما وراء ذلكم]: ما دون ذلكم، أي: ما بعده هذه الأشياء التي حرمت، وقال الفراء: [ما وراء ذلكم]: أي ما سوى ذلكم، وقال أبو حيان: وهذه التفاسير بعضها يقرب من بعض.
[3939]:-قال أبو حيان: "وموضع [أن تبتغوا] نصب على أنه بدل اشتمال من [ما وراء ذلكم]. ونقل عن الزمخشري أن [أن تبتغوا] مفعول له، ثم علق على كلام الزمخشري بما يهدم رأيه. راجع "البحر المحيط" 3/ 216.
[3940]:- جاء في لسان العرب: "التسافح والسفاح والمسافحة: الزنة والفجور- وأصل ذلك من الصب". ثم قال: "قال أبو إسحاق: وسمي الزنى سفاحا لأنه كان من غير عقد، كأنه بمنزلة الماء المسفوح الذي لا يحبسه شيء" مادة "سفح"
[3941]:- أي: الضارب بالدف. وفي الحديث: (فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف- رواه الخمسة إلا أبا داود.
[3942]:- من الآية رقم (1) من سورة (الطلاق)
[3943]:- الآية رقم (5)- ومن الآية رقم (6) من سورة (المؤمنون).
[3944]:- أي: المتعة، وكانت قد أبيحت في صدر الإسلام ثم حرمت، أخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والبخاري، ومسلم، عن ابن مسعود قال: (كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساؤنا فقلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك، ورخص لنا أن نتزوج المرأة بالثوب إلى أجل)، وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، ومسلم، عن سبرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما بين الركن والباب وهو يقول: (يا أيها الناس، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع، ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا). الدر المنثور 2/140، وفي ابن كثير أن راوي الحديث هو الربيع بن سبرة بن معبد الجهني (تفسير ابن كثير 2/245).
[3945]:- قال القرطبي بعد أن نقل هذا الكلام عن ابن عطية: "هذا هو المفهوم من عبارة النحاس، فإنه قال: وإنما المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوما- أو ما أشبه ذلك- على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث بيننا، ولا طلاق، ولا شاهد يشهد على ذلك، وهذا هو الزنى بعينه، ولم يبح قط في الإسلام، ولذلك قال عمر: لا أوتى برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة" القرطبي 5/132.
[3946]:-قال أبو حيان الأندلسي: "أو مصدر على غير المصدر، أي: فآتوهن أجورهن إيتاء، لأن الإيتاء مفروض، أو مصدر مؤكد، أي: فرض ذلك فريضة". البحر المحيط 3/219.