قوله تعالى { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكْتَ } قرأ{[7259]} الجمهور { وَالْمُحْصَنَاتُ } بفتح الصاد سواء كانت معرفة بأل أم نكرة والكسائي بكسرها{[7260]} في الجميع إلاَّ في قوله { وَالْمُحْصَنَاتُ } في هذه الآية فَإنَّهُ وافق الجمهور فأما الفتح ففيه وجهان{[7261]} :
أشهرهما{[7262]} : أنَّهُ أسْنَدَ الإحصان إلى غيرهن ، وهو إما الأزْوَاجُ أو الأولياء ، فَإنَّ الزَّوج يحصن امرأته أي يعفها ، والولي يحصنها بالتَّزويج أيضاً واللَّهُ يحصنها بذلك .
والثَّاني : أنَّ هَذَا المفتوح الصاد بمنزلة المكسور منها{[7263]} ، يعني : أنه اسم فاعل ، وَإنَّمَا شذ فتح عين اسم الفاعل في ثلاثة ألفاظ أحصن ، فهو مُحْصَنٌ ، وَألقح فهو مُلْقَحٌ ، وأسْهَبَ فهو مُسْهَبُ ، وَأمَّا الكسرُ فَإنَّهُ أسند الإحصان إليهن ؛ لأنَّهُنَّ يحصن أنفسهن بعفافهن ، أو يحصن فروجهن بالحفظ ، أو يحصن أزواجهن ، وَأمَّا استثناء الكسائي الآية التي{[7264]} هنا قال : لأن المراد بهن المُزَوَّجَات ، [ فالمعنى أنَّ أزواجهن أحصنوهن فهنَّ مفعولات ، وهذا على أحد الأقوال في المحصناتِ هنا منهنَّ على أنَّهُ قد قُرِئَ شاذاً بالكسر في هذا أيضاً قال : وإنْ أُرِيدَ بهن المزوّجات ] ؛ لأنَّ المراد أحصن أزواجهن ، و فروجهن وهو ظاهر .
وقرأ يزيد بن{[7265]} قطيب : " والمُحْصُنات " بضمّ الصّاد كأنَّهُ لم يعتد بالساكن فأتبع الصّاد للميم كقولهم : " مَنْتُن " ، وأصل هذه المادة الدَّلالة على المنع ومنه الحصن ؛ لأنَّهُ يمنع به ، و " حصان " بالكَسْرِ للفرس من ذلك ، ومدينة حصينةٌ ودرع حصينة أي : مَانِعَةٌ صاحبها من الجراح ، قال تعالى { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ }{[7266]} [ الأنبياء : 80 ] أي : لتمنعكم ، والحَصَانُ : بالفتح المرأة العفيفة ؛ لمنعها فرجها من الفَسَادِ ، قال تعالى :
{ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ } [ التحريم : 12 ] ، ويقال : أحْصَنَتِ المرأةُ وَحَصُنَتْ ، ومصدر حَصُنَتْ : " حصن " عن سيبويه ، و " حصانة " عن الكِسَائِيِّ ، وأبي عبيدةَ ، واسمُ الفاعل من أحْصَنَتْ{[7267]} مُحْصَنَةٌ ، ومن حَصُنَت حَاصِنٌ ، قال الشاعر : [ الرجز ]
حَاصِنٍ مِنْ حَاصِنَاتٍ مُلْسِ *** مِن الأذى وَمِنْ قرافِ الْوَقْسِ{[7268]}
ويقالُ لها " حصان " كما تقدم [ بفتح الحاء ]{[7269]} قال [ حَسَّان ]{[7270]} يصف عائشة رضي الله عنها : [ الطويل ]
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزنُّ بِرِيبَةٍ *** وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ{[7271]}
والإحْصَان ورد في القرآن [ بإزاء ]{[7272]} أربعة معان : التزّوج كهذه {[7273]}الآية لأنَّهُ{[7274]} عطفت المحصنات على المحرّمات ، فلا بدّ وأنْ يكون الإحصان سبباً للحرمة ، ومعلوم أن الحرية والعفاف ، والإسلام لها تأثير لها{[7275]} في ذلك ، والمرْأةُ المزوّجة{[7276]} محرمة على الْغَيْرِ .
الثَّاني : العِفَّةُ قال تعالى : { مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ } [ النساء : 25 ] وقوله
{ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ } [ المائدة : 5 ] { وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } [ الأنبياء : 91 ] أي : أعَفَّتْهُ .
الثالث : الحرية في قوله : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } [ النور : 4 ] يعني الحرائر ؛ لأنَّهُ لو قَذَفَ غَيْرَ حرَّةٍ لم يجلد ثمانين جلدة . وكذا قوله { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ } [ النساء : 25 ] وقوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } [ النساء : 25 ] .
الرَّابعُ : الإسلام قال تعالى : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } قيل في تفسيره فإذا أسْلَمْنَ ، وهذا يقع معرفته في الاستثناء الواقع بعده ، وهو قول بعض العلماء ، فإنْ أُرِيدَ به هنا التَّزوج كان المعنى : وحرمت عليكم المحصنات أي المتزوجات{[7277]} ، قال أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ نزلت في نساء كُنَّ يهاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهنَّ أزواج فيتزوّجْنَ بعض المسلمين ، ثم يقدم{[7278]} أزواجهن مهاجرين فَنَهى اللَّهُ عن نكاحهن [ ثم استثنى ]{[7279]} فقال : { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } يعني بالسّبي ، [ ولهن أزواج في دار الحرب يحل لمالكهن وطؤهنّ بعد الاستبراء ؛ لأنَّ بالسّبي ] يرتفع{[7280]} النِّكاح بينها وبين زوجها .
قال أبُو سَعيدٍ الخُدْرِيُّ : بعث رسولُ اللَّهَ صلى الله عليه وسلم يوم حنين جيشاً إلى أوطاس فأصابوا سبايا لَهُنَّ أزْوَاج من المشركين فكرهوا غشيانهن{[7281]} وتحرجوا ، فأنزل الله هذه الآية{[7282]} .
وقال عطاءٌ : يريد{[7283]} أنْ تكون أمته في نكاح عبده يجوز أن ينزعها منه .
وقال ابن مسعود : أرَادَ أنْ يبيع الجارية المزوّجة فتقع الفرقة بينها وبين زوجها ، ويكون بيعها طلاقاً فيحل للمشتري وطؤها وهذا قول أبيّ بن كعب وابن مسعود ، وابن عبَّاسٍ ، وجابر ، وأنس - رضي الله عنهم - وقال علي ، وعمر ، وعبد الرحمن بن عوف : إنَّ الأمة المزوجة إذَا بيعت لا يقع عليها الطَّلاق ، وعليه إجْمَاعُ الفقهاء اليوم ؛ لأنَّ عائشة - رضي الله عنها - لما اشترت بريرة وأعتقتها خيرها النَّبي صلى الله عليه وسلم وكانت متزوجة{[7284]} فلو وقع الطلاق بالبيع لما كان في ذلك فائدة ، وحجة الأوَّلين ما روي في قصة بَريرةَ أنَّه عليه الصلاة والسَّلامُ قال : " بيع الأمة طلاقها " قالوا : فَإذَا ملكت الأمة حَلَّ وطؤها سواء ملكت بشراء ، أو هبة أوْ إرث ويدل على أنَّ مُجَرَّد السّبي يحلُّ الأمة قول الْفَرَزْدَق : [ الطويل ]
وذَاتِ حَلِيلٍ أنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا *** حَلاَلٌ لِمَنْ يَبْنِي بِهَا لَمْ تُطَلَّقِ{[7285]}
يعني : أنَّ مجرد سبائها أحَلَّهَا بعد الاستبراء ، وإنْ أُريد به الإسلام ، أو العفّة فالمعنى : أنَّ المسلمات العفيفات حرام كلهنَّ ، [ يعني ]{[7286]} فلا يزنى بهن إلا مَا مُلِكَ منهنّ بتزويج نكاح جديد بعد وقوعه البَيْنُونَةِ بينهن وبين أزواجهم أو ما ملكت يمين إن كانت المرأة مملوكة ، فيكون المراد بما ملكت أيمانكم{[7287]} التّسلط عليهن ، وهو قدر مشتركٌ ، وعلى هذه الأوجه الثَّلاثة يكون الاستثناء متصلاً ، وإذا أريد الحرائر ، فالمرادُ إلا بما ملكت [ أيمانكم ]{[7288]} بملك اليمين ويدل عليه قوله بعد ذلك { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم } فكان المراد [ بالمحصنات هنا هو المراد ]{[7289]} هناك ، وعلى هذا ففي قوله { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } وجهان :
الأوَّلُ : أنَّ المراد منه إلاَّ العقد الذي جعله اللَّه تعالى ملكاً لكم وهو الأربع .
والثَّاني : أنَّ الحرائرَ محرمات عليكم إلا ما أثبت اللَّهُ لكم ملكاً عليهنَّ بحضور الولي والشُّهود والشُّروط المعتبرة في النِّكاح ، وعلى هذا [ فَإنَّ ]{[7290]} الاستثناء منقطع .
قوله { مِنَ{[7291]} النِّسَاءِ } في محلِّ نصب على الحال كنظيره المتقدّم .
وقال مَكِّيٌّ : فائدةُ [ قوله ] { مِنَ النِّسَاءِ } أنَّ المحصنات يقع على الأنفس فقوله : { مِنَ النِّسَاءِ } يرفع ذلك الاحتمال ، والدَّلِيلًُ على أنَّهُ يراد ب " المحصنات " الأنفس قوله
{ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ } . فلو أُرِيدَ به النِّساء خاصَّةً لما حُدَّ مِنْ قذف رجلاً بنصّ القرآن ، وقد أجمعوا على أنَّ حدَّه بهذا النَّص . انتهى .
قال شهَابُ الدِّينِ : وهذا كلام عجيبٌ ؛ لأنَّهُ بعد تسليم ما قاله في آية النُّور كيف يتوهَّم ذلك هنا أحد من النَّاس .
اتَّفَقُوا على أنَّهُ إذَا سبي أحد الزَّوْجَيْنِ قبل الآخر وأخرج إلى دار الإسلام وقعت الفرقة بينهما ، فإنْ سُبِيَا معاً ، قال الشَّافِعِيُّ : تزول الزَّوجيّة ويستبرئها المالك .
وقال أبُو حَنِيفَةَ لا تزول الزَّوجيَِّة .
واستدلَّ الشافعيُّ بقوله { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ } فيقتضي تحريم ذوات الأزواج ثم قال { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ } يقتضي أن عند طريان الملك ترتفع{[7292]} الحرمة ويحصل الحل .
قال أبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ{[7293]} : إن حصلت الفُرْقَةُ بمجرد طريان الملك فوجب أن تقع الفرقة بشراء الأمة واتهابها [ وإرثها ]{[7294]} وليس ذلك واجب ، فإنَّ العام بعد التَّخصيص حجة في الباقي ، وأيضاً فالحاصل عن السَّبي إحداث الملك ، وعند البيع نقل الملك من شخص إلى شخص ، فكان الأوَّل أقوى .
قوله [ { كِتَابَ اللَّهِ } ] {[7295]} في نصبه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنَّهُ منصوبٌ على أنَّهُ مصدر مؤكّد بمضمون الجملة المتقدِّمة قبله ، وهي قوله { حُرِّمَتْ [ عَلَيْكُمْ }{[7296]} ] ونصبه بفعل مقدر [ تقديره ]{[7297]} كتب الله ذلك عليكم كتاباً ، والمعنى : كتب اللَّهُ عليكم تحريم ما تقدَّمَ ذكره من المحرمات كتَاباً مِنَ اللَّهِ ، ومجيء المصدر من غير لفظ الفعل كثير . قال تعالى { وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ } [ النمل : 88 ] ، وأبعد عبيدة السلماني في جعله هذا المصدر مؤكداً لمضمون الجملة من قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم [ من النساء } ] {[7298]} .
الثاني : أنه منصوب على الإغراء ب " عليكم " والتقدير : عليكم كتاب الله ، أي : الزموه كقوله تعالى { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ } [ المائدة : 105 ] وهذا رأي الكِسَائيِّ ومن تابعه أجازوا تقديمَ المنصوب في باب الإغراء مستدلِّينَ بهذه الآية ، وبقول الشَّاعِرِ{[7299]} : [ الرجز ]
يَأيُّهَا المَائِحُ دَلْوِي دُونَكَا *** إنِّي رَأيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا{[7300]}
ف " دَلْوِي " منصوبٌ بدونك تقَدَّمَ ، والبصريون يمنعون ذلك ، قالوا : لأنَّ العامل ضعيف ، وتأوَّلُوا الآية [ على ما تَقَدَّمَ ]{[7301]} والبيتَ على أنَّ " دَلْوِي " منصوب بالمائِحِ أي : الَّذِي مَاحَ دلوي .
والثَّالثُ : أنَّهُ منصوبٌ بإضْمَارِ فعل أي : الزموا كِتَابَ اللَّهِ [ وهذا قريب من الآخر .
وقال أبُو الْبَقَاءِ{[7302]} : هذا الوجه تقديره : الزموا كِتَاب اللَّهِ ]{[7303]} وعليكم : إغراء يعني : أنَّ مفعوله قد حُذِفَ للدلاَلَةِ ب { كِتَابَ اللَّهِ } عليه . أيْ عليكم ذلك فيكون أكثر تأكيداً ، وأمَّا عليكم فقال أبُو الْبَقَاءِ : إنَّهَا على القَوْلِ بأنَّ كِتَابَ اللَّهِ مصدرٌ يتعلَّقُ بذلك الفعل المقدر النَّاصب لكتاب ، ولا يتعلَّق بالمصدر وقال : لأنَّهُ هنا فَضْلة ، قال : وقيل : يتعلَّق بنفس المصدر ؛ لأنَّهُ ناب عن الفعل{[7304]} حيثُ لم يذكر معه فهو كقولك : مروراً بِزَيْدٍ ، قلت وَأمَّا على القول بأنَّهُ [ إغراء فلا محل له من الإعراب لأنه واقع موقع فعل الأمر وأما على القول بأنَّه ]{[7305]} منصوبٌ بإضْمَارِ فعل أي الزموا فَعَلَيْكُمْ متعلِّقٌ بنفس كتاب ، أو محذوف على أنَّهُ حالٌ منه .
وقرأ أبُو{[7306]} حَيْوَةَ " كتب الله " على أن " كتب " فعل ماض و " الله " فاعل به ، وهو يؤيدُ كونه منصوباً على المصدر المؤكد .
وقرأ ابنُُ{[7307]} السّميفع اليمانيُّ " كُتُبُ الله " جعله جَمْعاً مرفوعاً مضافاً للَّهِ تعالى على أنَّهُ خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذه كُتُبُ اللَّهِ عليكم .
قوله : { وَأُحِلَّ لَكُمْ } قرأ الأخوانِ{[7308]} وحفصٌ عن عاصمٍ { وَأُحِلَّ } ، مبنيِّا للمفعول والباقُونَ مبنيًّا للفاعل ، وكِلْتَا القراءَتَيْنِ الفعل فيما معطوف على الجملة الفعليَّةِ من قوله { حُرِّمَتْ } ، والمُحَرَّمُ والمُحَلَّلُ : هو اللَّهُ - تعالى - في الموضعين سواء صرَّح بإسناد الفعل إلىِّ ضميره ، أو حذف الفاعل للعلم بِهِ ، وادَّعَى الزَّمَخْشَرِيُّ أنَّ قراءة { وَأُحِلَّ } مبنياً للمفعول [ عطف على { حُرِّمَتْ } ليعطف فعلاً مبنياً للمفعول ]{[7309]} على مثله ، [ أي حرمت المبني للمفعول ]{[7310]} وَأمَّا على قراءة بنائه للفاعل فَجَعَلَهُ معطوفاً على الفعل المقدَّر النَّاصِبِ لكتاب [ كأنه قيل : كتب اللَّهُ عليكم تحريم ذلك ، وأحَلَّ لكم ما وراء ذلكم .
قال أبُو حَيَّان{[7311]} : وما اختاره يعني من التَّفْرِقَةِ بين القِرَاءَتَيْنِ غير مختار ؛ لأنَّ النَّاصب لكتاب اللَّه ]{[7312]} جملة مؤكدّة لمضمون الجُمْلَة من قوله { حُرِّمَتْ } إلى آخره ، وقوله { وَأُحِلَّ لَكُمْ } جملة تأسيسية ، [ فلا يناسب أنْ تعطف إلاَّ على تأسيسية مثلها لا على ]{[7313]} جملة مؤكدة ، والجملتان هنا متقابلتان إذْ إحْدَاهُمَا للتحريم{[7314]} ، والأخرى للتحليل فالمناسب أن تعطف إحْدَاهُمَا على الأخرى لا على جملة أخرى غير الأولى ، وقد فعل هو مثل ذلك في قراءة البناء للمفعول ، فليكن هذا مثله .
قال شهاب الدِّينِ{[7315]} : وفي هذا الرد نظر [ لأنَّ تحليل ما سوى ذلك مؤكد لتحريمه معنى وما ذكره أمر استحساني رعاية لمناسبة ظاهره وقد تبع البيضاويُّ الزَّمَخْشَرِيَّ في التفرقة فتأمل .
قوله ]{[7316]} { ما وراء ذلكم } مفعول به إما منصوب المحل أوْ مرفوع على حسب القراءتين في " أحل " .
ظاهر قوله { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم } يقتضي حِلَّ كُلِّ من سوى الأصناف المذكورة إلا أنَّهُ دَلَّ الدَّلِيلُ على تحريم أصناف أخرى سوى [ الأصناف ]{[7317]} المذكورين ، لقوله عليه السلام : " لا تُنْكَحُ المَرْأةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلاَ عَلَى خَالَتِهَا " ، وزعم الخوارجُ أنَّ هذا خبر واحد ، فلا يجوزُ أن يخصَّ به القرآن لوجوه :
أحَدُهَا : أنَّ عموم الكتاب مقطوع وخبر الواحد مظنون المتن ، فَكَانَ أضعف فترجيحُهُ يقتضي تقديم{[7318]} الأضعف على الأقوى ، وهو لا يجوز .
وثانيها : حديث معاذٍ حين قال عليه السَّلام : " بِمَ تَحْكُم ؟ قال : بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَإنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ بِسُنَّةِ رَسُول اللَّهِ " فقدَّمَ التَّمَسُّكَ بالكتاب على التَّمَسُّكِ بالسُّنَّةِ [ وعلق جواز التمسك بالسُّنَّة{[7319]} على عدم الكتاب بكلمة " إن " والمتعلّق على شرط عدم عند عدم الشِّرط .
وثالثها : قوله عليه السَّلام : " إذَا رُوِيَ لَكُم عَنِّي حَدِيثٌ فاعْرِضُوهُ عَلَى كتابِ اللَّهِ{[7320]} فَإنْ وَافَقَ فَاقْبَلُوهُ وَإلاَّ فَرُدُّوهُ " {[7321]} .
هذا يقتضي ألاَّ يقبل خبر الواحد إلا عمد موافقة الكِتَابِ .
ورابعها : أنَّ قوله تعالى { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم } مع قوله عليه السلام " لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلاَ عَلَى خَالَتِهَا " لا يخلو من ثَلاثَةِ أوجه : إمَّا أن تكون الآية نزلت بَعْدَ الخبر فتكون الآية ناسخة له ؛ لأنَّ العام إذَا ورد بعد الخاصّ ينسخ الخاصّ ، وَإما أنْ يكون الخبر ورد بعد الكِتَابِ فيقتضي نسخَ القرآن بخبر الوَاحِدِ ، وإنه لا يجوز وإمَّا أنْ يردا معاً ، وهذا أيضاً بَاطِلٌ ؛ لأنَّ [ على ]{[7322]} هذا التَّقْدِيرِ تكون الآية وَحْدَهَا غير مَبْنِيَِّةٍ ، وتكونُ الحجَّةُ مجموع الآية والخبر . ولا يجوزُ للِرَّسُولِ أنْ يسعى في تشهير الشُّبْهَةِ ، ولا يسعى في تشهير{[7323]} الحجَّة ، فكان يجب عليه ألاَّ يسمع أحَدٌ هذه الآية إلاّ مع [ هذا ]{[7324]} الخبر ، ويوجب على الأمَّةِ ألاَّ يبلغوا هذه الآية أحداً إلا مع هذا الخبر ، ولو كان كذلك لزم أن يكون اشتهار هذا الخبر مساوياً لاشتهار هذه الآية ، ولما لم يكن كذلك عُلِمَ فساد هَذَا القسم .
وخامسُهَا : أنَّ بتقدير صحَّةِ هذا الخبر قطعاً إلا أنْ التَّمسُّكَ بالآية راجحٌ عليه لوجهين :
الأوَّلُ : أنَّ قوله { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم } نص صريح في التحليل كما أن قوله : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } نص صريح في التحريم .
وأما قوله : " لا تُنْكَحُ المَرْأةُ عَلَى عَمَّتِهَا [ وَلاَ عَلَى خَالَتِهَا ]{[7325]} " فليس نصاً صريحاً ؛ لأنَّ ظاهره إخبار ، وحمل الإخبار على النَّهي مجاز ، وإن سلّمنا كونه نهياً فدلالة النَّهي على التحريم أضعف من دلالة لفظ [ الإحْلاَلِ ]{[7326]} على معنى الإبَاحَةِ .
الثَّانِي : أنَّ الآية صريحة في تحليل كُلِّ ما سوى المذكورات والحديثُ ليس صريحاً في العموم بل احتماله للمعهود السَّابق أظهر .
وسادسها : أنَّهُ تعالى اسْتَقْصَى في هذه الآيةَ شرح أصْنَافِ المحرَّمات فعدَّ منها خَمْسَةَ عَشرَ صنفاً ، ثُمَّ بعد هذا التّفصيل التَّام والاستقصاء الشّديد قال { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم } فلو لم يَثْبُت الحلُّ في كُلِّ من سوى هذه الأصناف المذكورة ، لكانَ هذا الاستقصاء عبثاً ولغواً ، وذلك لا يليق بالحكيم . والجوابُ من وُجُوهٍ :
الأول : قال الحَسَنُ وأبو بَكْرٍ الأصَمُّ{[7327]} إنَّ قوله { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم } لا يقتضي إثبات الحل على التأبيد ؛ لأنَّهُ يصحُّ [ تقسيم ]{[7328]} هذا المفهوم إلى المؤبد ، وإلى غير المؤبَّد ، فيقال { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم } أبداً ، ويقال { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم } إلى الوقت الفلانِيِّ ، ولو كان صريحاً في التَّأبيد لما كان هذا التقسيم ممكناً في الآية ، فالآية لا تُفِيدُ [ إلاَّ ]{[7329]} إحلال من سوى المذكورات ، والعقلُ يشهد بأنَّ الإحلال أعمّ من الإحلال المؤبّد ، ومن الإحلال المؤقّت ، فالآيةُ لا تفيد إلا حلّ مَنْ{[7330]} عدا المذكورات في ذلك الوقت ، فأمَّا ثبوتُ حكمهم في سائر الأوقات فَمَسْكُوتٌ عنه ، وقد كان حِلُّ من سوى المَذْكُوراتِ ثَابِتاً في ذَلِكَ الوقت ، وطريان حرمة بعضهم بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ تَخْصِيصاً لذلك النَّصِّ ولا نسخاً له ، وبهذا الطَّرِيق يظهر أنَّ قوله { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } [ النساء : 23 ] ليس نصّاً في تأبيد هذا التَّحريمِ ، وَإنَّمَا عرفنا ذلك التَّأبيد بالتَّواتر من دين محمد - عليه الصلاة والسلام - .
الثَّانِي : أنَّ حرمة الجمع بَيْنَ الأخْتَيْنِ لِكَوْنِهِما أخْتَيْنِ يناسبُ هذه الحرمة ؛ لأنَّ الأخْتيَّة قَريبَةٌ فناسبت مزيد الوصلة والشّفقة والكرامة ، فكون إحداهما ضرَّة الأخْرَى موجبٌ الوَحْشَةَ العظيمةَ والنُّفْرَةَ الشَّدِيدَةَ كالأختية تناسب حرمة الجمع بينهما في النِّكَاحِ لما ثبتَ في أصُول الْفِقْهِ : أنَّ ذِكْرَ الحُكْمِ مع الوَصْفِ المُنَاسِبِ مُشْعِرٌ بالعِلّيةِ{[7331]} ، وهذا المعنى مَوْجُودٌ فِي المْرأةِ وعمَّتِهَا ، وخالَتِهَا ، بل أولى ؛ لأنَّ العمّة [ والخَالَة ]{[7332]} تشبهان الأمِّ .
والثَّالِثُ : أنَّهُ تعالى نَصَّ على تَحْرِيمِ أمَّهَاتِ النِّسَاءِ ، ولفظُ الأمِّ قد ينطلقُ على العَمَّةِ والخَالَةِ ، أمَّا العمَّةُ فلقوله تعالى مخبراً عن أوْلاَدِ يعقوب عليه السَّلامُ { نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } [ البقرة : 133 ] فأطلق{[7333]} لفظ الأبِ على " إسماعيل " مع أنَّهُ كان عَمّاً وإذا{[7334]} كان العَمُّ أباً لزم أن تكون العَمَّة أمًّا ، وأمَّا إطلاق لفظ " الأمِّ " على الخالة فقوله تعالى { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ } [ يوسف : 100 ] والمراد أبوه وخالته ، فإنَّ أمَّه كانت مُتَوَفَّاة في ذلك الوقتِ فثبت أن قوله { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } يتناولُ العمَّةَ والخَالَةَ من بعض الوُجُوهِ وإذا كان كذلك{[7335]} فلم يكن قوله { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } متناولاً له ، وَإنَّمَا تناولتهم آية التحريم في قوله { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } إمَّا بالدلالة{[7336]} الصَّريحة ، أو الجليّة ، أو الخفية .
الرَّابعُ : أنْ تقولَ : يجوز تخصيصُ{[7337]} عموم الكِتَاب بخبر الوَاحِدِ الصّنف الثَّاني من المحرَّمات ، والخارجة من هذا العموم : المطلقة ثلاثاً ، ونكاح المُعْتَدَّة ، ومن كان متزوّجاً بحرّة لم يجز له أن يَتَزَوَّج أمَةً ، وتحريم الخامسة ، وتحريم الملاعنة لقوله عليه الصلاة والسلام : " المُتَلاَعِنَانِ لا يَجْتَمِعَان أبَداً " .
قوله { أَن تَبْتَغُواْ } في محلّه ثلاثة أوْجُهٍ :
الرَّفُعُ ، والنَّصْبُ ، والجَرُّ فالرَّفْعُ على أنَّهُ بدل من { مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } على قراءة أحِلَّ مبْنِياً للمفعول [ لأنّ " ما " حينئذٍ قائِمَة مقامَ الفَاعلِ ؛ وهذا بدل منها بدل اشتمال ، وَأمَّا النَّصْبُ فالأجود أن يكون على أنَّهُ بدل من " مَا " المتقدّمة على قراءة " أَحَلَّ " مبنيّاً للفاعل ]{[7338]} كأنه قال : وأحل لكم ابتغاء أموالكم من تزويج أو ملك يمين ، وأجاز الزَّمَخْشَرِيُّ أن يكونَ نصبه على المفعول من أجْلِهِ ، قال : بمعنى بَيَّنَ لكم [ ما يَحِلُّ مما ]{[7339]} يحرم إرادة أنْ يَكُونَ ابتغاؤكم بأموالكم الَّتي جعل اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً في حال كونكم مُحْصِنِينَ ، وأنحى عليه أبُو حَيَّانَ وجعله إنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ دسيسة الاعتزال ثم قال : فَظَاهِرُ الآية غير ما فَهِمَهُ إذ الظِّاهِرُ أنَّهُ تعالى أحَلَّ لنا ابتغاء ما سوى المُحَرَّماتِ السَّابق ذكرها بأمْوَالِنَا حَالَةَ{[7340]} الإحْصَانِ ؛ لا حالةَ السِّفَاح ، وعلى هذا الظَّاهِرِ لا يجوز أن يعرب { أَن تَبْتَغُواْ } مفعولاً له ، لأنَّهُ فات شرط من شُرُوطِ المفعول له ، وهو اتِّحاد الفاعِلِ في العامل{[7341]} والمفعول له ؛ لأنَّ الفاعِلَ ب " أحل " هو اللَّهُ - تعالى - ، والفاعل في { تَبْتَغُواْ } ضمير المخاطبين ، فقد اخْتَلَفَا ولما أحسّ الزمخشريُّ إن كان أحس جعل " أن تبتغوا " على حذف إرادة حتّى يتحد الفاعل في قوله { وَأُحِلَّ } في المفعول له ، ولم يجعل { أَن تَبْتَغُواْ } مفعولاً له إلاّ على حذف مضاف ، وَإقامتهِ مُقَامهُ ، وهذا كلُّهُ خروجٌ عن الظَّاهِر انتهى .
قال شهابُ الدِّينِ{[7342]} : ولا أدْرِي ما هَذَا التَّحمل ، ولا كيف يخفى عَلَى أبي القاسم شرط اتحاد الفاعلِ في المفعولِ لَهُ حتّى يقول : إنْ كان أحسّ ، وأجاز أبُو البقاءِ{[7343]} فيه النَّصْبَ على حذف حَرْفِ الْجَرِّ . قال أبُو البَقَاءِ : في " ما " من قوله { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } وجهان :
أحدُهمَا : هي بمعنى " مِنْ " فعلى هذا يكون قوله { أَن تَبْتَغُواْ [ بِأَمْوَالِكُمْ مُّحْصِنِينَ } ] {[7344]} في موضع جرٍّ أو نصبٍ على تقديرِ بأن تبتغوا ؛ أو لأنْ{[7345]} تبتغوا ، أي أبيح لكم غير ما ذكرنا من النِّساء بالمُهُورِ .
والثَّاني : أنَّ " ما " بمعنى الذي ، والذي كناية عن الفعلِ ، أي : وأحلّ لكم تحصيل ما وراء ذلك الفعل المحرم ، و { أَن تَبْتَغُواْ } بدلٌ منه ، ويجوزُ أن يكون " أن تبتغوا " في هذا الوَجْهِ مثله في الوجه الأوَّلِ ، يعني : فيكونُ أصله بأن تَبْتَغُوا ، أو لأن تبتغوا ، وفيما قاله نظرٌ لا يخفى ، وأمَّا الجرُّ فعلى ما قاله أبُو البَقَاءِ ، وقد تَقَدَّم ما فيه .
و { مُّحْصِنِينَ } حال من فاعل تبتغوا ، و { غَيْرَ مُسَافِحِينَ } حال ثانية ، ويجوزُ أن يكون حالاً من الضَّمَيرٍ في { مُّحْصِنِينَ } ، ومفعول مُحصنينَ ومُسافحينَ محذوف ، أي : محصنين فُرُوجَكُمْ غير مسافحين الزَّوَانِي ، وكأنَّها في الحقيقةِ حال مؤكدة ؛ لأنَّ المحصن غير مسافح ، ولم يقرأ أحدٌ بفتح الصَّادِ من محصنين فيما نعلم . والسَّفَاحُ الزِّنَا .
قال اللَّيث{[7346]} : السَّفَاحُ والمُسَافحةُ : الفجور{[7347]} ، وأصله الصَّبُّ ، يقال : دموع سَوَافِحُ ومسْفُوحةٌ .
قال تعالى : { أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً } [ الأنعام : 145 ] وفلان سَفَّاحٌ للدِّماءِ ، وسمي الزِّنَا سفاحاً ؛ لأنَّهُ لا غرض للزَّاني إلا صب منيه ، وكانوا يَقُولُونَ صافحني ومَا ذَمَّنِي والمسافحُ من يظاهر بالزِّنَا ، ومتّخذ الأخْدَان من تستر فاتَّخَذَ واحدة خفية .
قال أبُو حنيفة : لا مهر أقلَّ من عشرة دراهم ، وقال غيره : يجوزُ بالقليل والكثير ، واحتج أبُو حنيفة بهذه الآية ؛ لأنَّهُ تعالى قَيَّد التحليل بالابتغاء بالأموال و [ الدِّرهم ]{[7348]} والدرهمان لا يسمّى أموالاً ، فلا يصحُّ جعلها مهراً .
فإن قيل{[7349]} : ومَنْ عنده عشرة دراهم ، لا يقال عنده أموال مع أنَّكُم تجوزونها مَهْراً قلنا : ظاهر الآيةِ يقتضي ألاَّ يكون العشرة كافية ، إلا أنَّا أنزلنا العملَ بظاهر هذه الآية للإجْمَاعِ على جوازه ، ويتمسَّك في الأقل من العشرة بِظَاهِرِ الآية وهذا استدلال ضعيف ؛ لأنَّ الآية دَلَّت على أنَّ الابتغاء بالأموال غير جائز ، وليس فيها دلالة على أنَّ الابتغاء بغير الأموال غير جائز ، إلاّ على سبيل المفهوم وأنتم لا تقولُونَ به ، واستدلّ المخالف بوجوه :
أحدها : قوله { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ } فقابل الجَمْعُ بالجَمْعِ فيقتضي{[7350]} توزع الفَرْد على الفَرْدِ ، وهذا يقتضي أنْ يتمكَّن كلُّ واحدٍ من ابتغاء النِّكَاح بما يسمى مالاً ، والقليل والكثير في هذه الحقيقةِ ، وفي هذا الاسم سواء .
وثانيها : قوله تعالى { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [ البقرة : 237 ] فَدَلَّتْ الآية على سقوط النصف من المذكور ، وهذا يقتضي أنَّهُ لو وقع العقدُ في أوَّلِ الأمْرِ بِدرْهمٍ : لم يجب إلا نصفُ درهمٍ ، وأنْتُمْ لا تقُولُونَ به .
وثالثها : " ما رُوِيَ أنَّ امْرَأةً جيء إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وقد تزوّج بها رجل على نعلين فقال عليه السَّلام " رَضِيت مِنْ نَفْسِكَ بِنَعْلَين " ، فقالت : نعم ؛ فأجازه{[7351]} النبي صلى الله عليه وسلم " ، والظاهرُ أنَّ قيمة النَّعلين أقلُّ من عشرةِ دراهم ، فإنَّ مثل هذا الرَّجُل والمرأةِ اللذين تزوَّجَا على نعلين يكونان في غَايَةِ الفَقْرِ فنعلهما تكون قليلة القِيمَةِ جدّاً .
وروى جَابِر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قال : " مَنْ أعْطَى امْرأةً من نِكَاح كَفَّ دقيق ، أو سويق ، أو طعاماً فقد استحلّ " {[7352]} ، وحديث الواهبة نفسها أنَّهُ -عليه السَّلامُ- " قال لِلَّذي أرَادَ أن يتزوَّجَهَا الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتماً مِنْ حَدِيدٍ " {[7353]} وذلك لا يساوي عشرة دراهم .
فصل : [ في الخلاف في المهر بالمنافع ]
قال أبُو حنيفةَ : لو تزوَّجَهَا على تعْليمِ سورة من القُرْآنِ لم يكن ذلك مهراً ، ولها مهر مثلها ولو تزوَّجَهَا على خدمة سَنَةٍ ، فإنْ كان حرّاً فلها مَهْرُ مثلها ، وإنْ كان عبداً فلها خدمة سنة وقال غيره{[7354]} : يجوزُ جعل ذلك مهراً ، واحتجَّ أبُو حنيفةَ بهذه الآية .
قال : لأنَّهُ تعالى شرط في حصول الحل ذلك الابتغاء بالمال ، والمال اسمٌ للأعيان لا للمنافع وأيضاً قال : { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } وذلك صفة للأعيان لا للمنَافِعِ ، وأيضاً قال
{ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [ النساء : 4 ] .
وأجيب عن الأوَّل بأن الآية دَلَّت على أنَّ الابتغاء بالمال{[7355]} جائز ، وليس فيه بيان أنَّ الابتغاء بغير المال جَائِزٌ أم لا .
وعن الثاني : بأنَّ لَفْظَ الإيتاء كما يتناولُ الأعيان يتناول المنافِعَ الملتزمة .
وعن الثَّالث : أنَّهُ خرج الخطاب على الأعمِّ الأغلب .
أحدهما : قصة شعيب في قوله لموسى { إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } [ القصص : 27 ] وشرعهم شرع لَنا ما لم يرد نَاسِخٌ .
وثانيهما : قوله عليه السلام " زَوَّجْتُكَ بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ " {[7356]} .
فصل : [ في تفسير قوله { مُّحْصِنِينَ } ]
أحدُهُمَا :- أنَّ المراد أنْ يصيروا مُحْصنينَ بسبب عَقْدِ النِّكَاحِ .
الثَّاني :- أنْ يكون الاحصانُ شَرْطاً في الإحْلالِ المذكور في قوله { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } والأوَّلُ أولى ؛ لأنَّ الآية تَبْقى عامَّةً معلومة المعنى .
وعلى الثَّاني : تكونُ الآيةُ مجملةً ؛ لأنَّ الإحْصانَ المذكور فيها غير مُبَيّن ، والمعلَّق على المجمل يكون مجملاً ، وحمل الآية على وَجْهٍ معلوم أوْلَى من حملها على وجه مجمل .
قوله : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ } يجوزُ في " ما " وجهان أحدهُمَا : أنْ تكون شرطيّة .
والثَّاني : أن تكونَ مَوْصولةً ، وعلى كلا{[7357]} التقديرين فيجوزُ أن يكون المراد بها النساء المُسْتمتعَ بِهِنَّ ، أي النَّوع المستمتع به ، وأن يراد بها الاستمتاع الَّذي هو الحدث ، وعلى جميع الأوجهِ المُتقدِّمَةِ ، فهي في محلِّ رفع بالابتداء ، فإنْ كانت شرطيَّة ففي خبرها الخِلافُ المشهور هل هو فعل الشّرط وجوابه ، أو كلاهما وقد تقدَّمَ تحقيقهُ في البقرة{[7358]} ، وإن كانت موصولة ؛ فالخبَرُ قوله " فآتوهن " ودخلت الفاءُ لشبه الموصول باسم الشرط كما تقدَّمَ ، ثم إنْ أريد بها النَّوع المستمتعُ به فالعَائِدُ على المبتد سواء كانت ما شرطية أو موصولة الضمير [ المنصوب ]{[7359]} في " فآتوهن " ويكون قد راعى لفظ " مَا " تارة فأفرد في قوله " بِهِ " ، ومعناها{[7360]} أخرى ، فجمع في قوله " منهن " " فآتوهن " فيصيرُ المعنى : أي نوع من النّساء استمتعتم به فآتوهن ، أو النَّوع الذي استمتعتم به من النِّسَاء ، فآتوهُنّ ، وإن أُرِيدَ بها الاستمتاع ، فالعائِدُ حينئذٍ محذوف ، تقديره : فأيُّ نوع من الاستمتاعِ استمتعتم به من النساء فآتوهنّ أجورهن لأجله . و " من " في " منهن " تحتمل وجهين :
والثاني : أنْ تكون للتّبعيض ، ومحلها النّص على الحال ، من الهاء في " به " ، ولا يجوزُ في " ما " أنْ تكون مصدريّة لفساد المعنى ولعود الضَّميرِ في " بِهِ " عليها .
الاستمتاعُ في اللُّغَةِ : الانْتِفَاعُ ، وكلُّ مَا انتفعَ به فهو مَتَاعٌ ، يقالُ : استمتع الرَّجُلُ بولده ، ويقال فيمنْ مَاتَ شابّاً : لم يَتمتَّع بشَبَابِهِ ، قال تعالى { رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ }
[ الأنعام : 128 ] وقال { فَاسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ } [ التوبة : 69 ] يعني : بحظِّكُمْ عليهنّ ؛ فآتُوهنّ أجورهنّ عليه ، أو مهورهن عليه ، وإنَّما سُمِّيَ المهرُ أجراً ؛ لأنَّهُ بَدَلُ المَنَافِعِ كما سُمِّي بَدَلُ منافع الدَّارِ والدَّابَّةِ أجْراً .
فصل : [ في الخلاف في تقرير المهر بالخلوة ]
قال الشَّافعيُّ : الخلوةُ الصَّحيحةُ لا تُقرِّرُ المَهْرَ .
وقال أبُو حنيفةَ وأحْمَدُ : تقرره ، واحتجَّ الشَّافِعِيُّ بقوله تعالى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فجعل وُجُوبَ إتيانهنّ لأجل الاستمتاع بهنَّ ، فلوْ تقرَّر بالخُلْوَةِ قبلَ الاستمتَاعِ لمنع من تَعَلُّقِ النُّقُودِ بالاسْتِمتَاعِ وهو خلاف الآية .
قال الحَسَنُ ومُجاهدٌ وأكثرُ العلماءِ : والمراد بهذه الآية ابتغاء النِّساء بالأمْوَالِ على طريق النِّكاحِ الصحيح .
وقوله { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } فجعل وُجُوبَ إتيانهنّ بالدُّخُول أي { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي مهورهن بالتَّمام .
قال القُرْطُبِيُّ{[7361]} : اختلف النَّاس في المعقود عليه في النِّكَاحِ هل هو بَدَنُ المرأة ، أو منفعة البُضْعِ ، أو الحِلّ على ثلاثة أقوال ، قال : والظَّاهِرُ المجموع ؛ لأنَّ العَقْدَ يقتضي كُلَّ ذلك فإن عقد النِّكاح آتاها نصف المهر ، وقال آخرونَ : هو نِكَاحُ المُتْعَةِ ، وهو أن يستأجر امرأةً بمالٍ مَعْلوم إلى أجل معينٍ ، فإذا{[7362]} انقضت تلك المدَّة باتت منه بلا طلاق وتستبرئ{[7363]} رحمها ، وليس بينهما ميراث ، وكان ذلك مباحاً في ابتداء الإسْلامِ ثم نَهَى عنه رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ، روى الرّبيع بن سبرة الجهني أنَّ أباه حدَّثه أنَّهُ كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء فإنَّ اللَّهَ قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة فَمَنْ كان عنده منهن شيء فَلْيُخَلِّ سبيله ، ولا تأخُذُوا مما آتيتموهن شيئاً " {[7364]} وروى علي بن أبي طالب " أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النِّسَاءِ يَوْمَ خيبر وعن أكل لُحُومِ الحُمُرِ الإنسيّة " {[7365]} وعامّة أهل العلم على أنَّ نكاح المتعة حرام منسوخ وذهب ابن عباس إلى أنَّ الآية محكمة ، ويرخّص في نكاح [ المُتْعَةِ ]{[7366]} .
روى أبو نَضْرَةَ قال : سألتُ ابْن عَبَّاسٍ عن متعة النّساءِ فقال : أما تقرأ سورة النِّساء : { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } إلى أجل مسمى { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } قلت : لا أقرؤها هكذا ، فقال ابن عبَّاس : هكذا أنزل اللَّهُ ثلاث مرات{[7367]} ، وروي " أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه لما قدم مكّة في عمرته تزين نساء أهل مكة فشكى أصحابُ النَّبي صلى الله عليه وسلم طول العزوبة فقال " اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِه النِّسَاءِ " {[7368]} وهذا القول مروي عن ابن عبَّاسٍ وعمران بن الحُصَيْنِ ، أمَّا ابن عبَّاسٍ فعنه ثلاث روايات أحدها أنَّهَا مباحة مطلقاً ، وقال عِمَارة سألت ابن عباس عن المتعة أسِفَاحٌ هي أم نِكَاحٌ قال : لا سِفَاحَ ولا نِكَاحَ ، قلتُ : فما هي قال : مُتْعَةٌ كما قال اللَّهُ تعالى قلت : هل لها عِدَّةٌ ؟ قال : نعم حيضةٌ ، قلت : هل يتوارثان ، قال : لا . الثانية أنَّ النَّاسَ لما ذكرُوا الأسفار في المتعة ، قال ابن عبَّاس : قَاتَلهُمُ اللَّهُ ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق ، لكني قلت إنَّها تحلُّ للمضطر كما تحلُّ الميتةُ ، والدَّم ، ولحمُ الخنزير له{[7369]} .
الثَّالِثَةُ : أنَّهُ أقرَّ بأنَّهَا صارت مَنْسُوخَةً .
روى عَطَاءٌ الخُراسَانِيُّ : عن ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى { فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } قال صارت هذه الآيةُ منسوخة بقوله تعالى { يأيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ }{[7370]} [ الطلاق : 1 ] وروى أيضاً أنَّهُ قال عند موته : اللَّهُمَّ إني أتوبُ إليك من قولي في المتعة والصرف{[7371]} ، وأمَّا عمرانُ بْنُ الحُصَيْنِ فإنَّهُ قال نزلت هذه المتعة في كتاب اللَّهِ ولم ينزل بعدها آية تنسخها ، وأمرنا بها رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وتمتعنا بها ، ومات ولم ينهنا عنه ، ثمَّ قال رجلٌ برأيه ما شاء{[7372]} ، وروى مُحَمِّدُ بْنُ جريرٍ الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنَّهُ قال : لولا أنَّ عمر نهى عن المتعة [ ما زنا إلا شقي . والجمهور على تحريم نكاح المتعة لما روى سالم بن عبد الله بن عمر أنَّ عمرُ بْنُ الخَطَّاب - رضي الله عنه - قال في خطبته ما بال رجال ينكحون هذه المتعة{[7373]} ]{[7374]} وقد نهى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عنها لا أجِدُ أحداً نكحها إلاَّ رجمتُهُ{[7375]} بالحجارة ، وقال : هذه المُتْعة النِّكَاحُ والطَّلاق والعدّةُ والميراث فذكر هذا الكلام في مَجْمَعٍ من الصَّحَابَةِ ، ولم ينكروا عليه ، فالحالُ لا يخلو من أن يكونُوا عالمين بحرمة المُتْعةِ فَسَكتُوا ، أو كانوا عالمين بإباحتها فسكتوا مداهنة ، أو ما عرفوا حكمها فسكتوا تَوَقُّفاً .
والثَّاني : يُوجبُ تكفيرَ عُمَرَ وتكفيرَ الصَّحابةِ ، لأنَّ من علم أنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حكم بإباحة المُتْعَةِ ثمَّ قال : إنَّهَا محرَّمة من غير نسخ لها فهو كافر ، ومن صدقه مع علمه بكونه مخطئاً كافر ، وهذا يقتضي تَكْفِير الأمَّةِ . وإن لم يكونوا عالمين بالإباحَةِ ولا بالحرمة ، فهذا أيضاً باطلٌ ؛ لأنَّ كون المتعة مباحة يقتضي كونها كالنِّكَاح ، واحتياج النَّاس إلى معرفة حكمها{[7376]} عام في حقِّ الكُلِّ ، ومثل هذا يمتنع خفاؤه{[7377]} بل يجبُ أن يُشْتَهَر العلم بحكمه{[7378]} كاشتهار علمهم بحلِّ النِّكاح ، ولما بطل هذان القسمان ثَبَتَ أنَّ الصَّحَابَةَ إنَّمَا سَكَتُوا عن الإنكار على عُمَرَ لعلمهم بأنَّ المتعة صارت منسوخَةً في الإسْلاَمِ .
فإن قيل : الرَّجْمُ غير جائز{[7379]} مع أنَّ الصَّحابةَ ما أنكروا عليه حين ذكر ذلك ، ولما سكتَ ابْنُ عباسٍ عنه في مسألة المُبَاهَلَة{[7380]} ثم ذكرها بعد موت عمر وقال : من شاء باهلته فقيل له : هلاّ قلت هذا في زمن عُمَرَ ، فقال : هِبْتُه ، وكان أمْرَأً مُهاباً .
فالجوابُ لعلَّهُ ذكر ذلك على سبيل الزَّجْرِ والتهديدِ والسِّيَاسة ، ومثلُ هذا جائز [ للإمام ]{[7381]} عند المصلحةَ كقوله{[7382]} عليه السَّلامُ " مَنْ مَنَعَ الزَّكاةَ فإنَّا نَأخُذُهَا مِنْهُ وَشَطْر مالِهِ " {[7383]} وأخذ شَطْرِ المالِ غير جائز لكنَّه قال ذلك للزَّجر فكذا ههنا ، وأمَّا سكوت ابن عباس ، فكَانَ سكوت رجل واحد في خلائق عظيمة ، فلا يُشْبِهُ سكوت الخَلاَئِقِ العظيمة عند رجل واحد ، ويدلُّ على التَّحريم حديثُ الربيعِ بْنِ سبرة ، وحديث عَلِيٍّ المذكوران أوَّل الفَصْلِ قال الرَّبيعُ بْنُ سُليْمَانَ : سمعت الشَّافِعِيِّ يقول : لا أعلم في الإسْلاَمِ شيئاً أحِلَّ ثم حرم غير المُتْعَةِ .
واحتجَّ من قال بإباحَةِ المتعة بوجوهٍ :
أحدُهَا قراءة{[7384]} أبيِّ بنِ كَعْبٍ وابن عباس " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن " ولم ينكر عليهما هذه القراءة فكان إجماعاً ، فيقابل الإجماع الَّذي كان حاضراً عند خطبة عُمَرَ .
الثَّاني : أنَّ المذكور في الآية إنَّمَا هو مُجَرَّدُ الابتغاء بالمالِ ، ثُمَّ إنَّهُ تعالى أمر بإتيانهنَّ أجورهنَّ بعد الاستمتاع بهنَّ ، وذلك يدُلُّ على أنَّ مجرَّدَ الابتغاءِ بالمال يجوزُ الوطء ، ومجرَّد الابتغاء بالمالِ لا يكونُ إلاَّ في نِكَاحِ المُتْعَةِ ، فأمَّا في النِّكَاحِ المطلق ، فالحل إنَّمَا يحصل بالعَقْدِ والولي والشُّهود ، ولا يفيد فيه مُجرَّدُ الابتغاء بالمال .
الثَّالِثُ : أنَّهُ وَاجِبٌ إيتاء الأجور بمجرَّدِ الاستمتاع ، والاستمتاعُ عبارةٌ عن التَّلذُّذِ والانتفاع ، وأمَّا في النِّكَاحِ المطلق فإيتاء{[7385]} الأجور لا يتوقَّفُ على الاستمتاع ألْبَتَّةَ بل على العقد . ألا تَرَى أنَّ بمجرد النِّكَاحِ يلزم نصفُ المهر .
الرَّابعُ : أن الأمَّةَ مجمعة على أنَّ نِكَاحَ المتعة كَانَ جَائِزاً في الإسْلامِ ، وإنَّمَا الخلافُ في النَّسْخِ ، فَنَقُولُ لو كان النَّاسِخُ موجوداً ، لكان إمَّا معلوماً بالتَّواتُرِ أو الآحاد ، ولم يعلم بالتَّواتُرِ ؛ لأنَّه كان يلزمُ منه كونُ عليٍّ ، وابن عباس ، وعمران بن الحُصَيْنِ منكرين لما عرف ثبوته بالتَّواتُرِ في دين محمَّدٍ عليه السلامُ ، وذلك يوجب تكفيرهم ، ويكون باطلاً قطعاً ، وإنْ كان ثابتاً بالآحاد لزم نسخ الثابت المتواتر المقطوع به بخبر الوَاحِدِ المظنون ، وهذا أيضاً باطل ، ومما يدلُّ على بطلان هذا النَّسخ أيضاً أنَّ أكثر الرِّوايات أنَّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة يوم خيبر ، وأكثر الرِّوايات أنَّهُ عليه السلامُ أباح المتعةَ في حجَّة الوداع وفي يومَ الفَتْحِ ، وهذان اليومان متأخرانِ عن يوم خيبر ، وذلك يدلُّ على فساد ما روي أنَّهُ عليه السلامُ نسخ المتعة يوم خيبر ، لأنَّ النَّاسِخَ يمتنع تقدُّمهُ على المنسوخ ، [ وقول ]{[7386]} من قال إنَّهُ حصل التحليل مراراً [ والنسخ مراراً ] قول ضعيف لم يقل به أحدٌ من [ المُتقدِّمينَ ]{[7387]} المعتبرين ، إلا الذين أرادوا إزالة التَّناقُضِ عن هذه الرِّوايات .
الخامس : أنَّ عمر - رضي الله عنه - قال على المنبر متعتان كانتا مشروعتين في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، وأنا أنهى{[7388]} عنهما : مُتْعَةُ الحَجِّ ، ومتعةُ النِّكَاحِ وهذا تنصيص منه على أنَّ متعة النِّكاحِ كانت موجودةً في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله " وأنَا أنْهى " يدلُّ على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نسخه ، وَإنَّما عمر هو الذي نَسَخَهُ وإذَا كانت كذلك ؛ وجب أن لا يصير منسوخاً بنسخ عُمرَ ، وهذا هو الحجةُ التي احتجَّ بها عمران بن الحصين حيث قال : ولم تنزل آية بنسخ آية المتعة ، ولم يَنْهَنَا عنها حتى مات ، ثم قال رجلٌ برأيه ما شاء ، يريد أنَّ عمر نهى عنها .
والجوابُ أنْ يقال : إن هذه الآيةَ مشتملة{[7389]} على أنَّ المراد منها تحريم نكاح المتعة من ثلاثة أوجُهٍ :
الأوَّلُ : أنَّهُ تعالى ذكر المحرمات بالنِّكاح أولاً في قوله { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } ثم قال في آخر الآية { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } فكانَ المرادُ بهذا التحليل ههنا ما هو المراد هناك بالتَّحريم هو النِّكاح ، فالمرادُ بالتحليل هنا أيضاً يجب أنْ يكون هو النِّكاح .
الثّاني : قوله تعالى { مُّحْصِنِينَ } والإحْصَانُ لا يكون إلاَّ في نكاحٍ صحيح .
الثالثُ : قوله { غَيْرَ مُسَافِحِينَ } سمَّى الزِّنَا سِفَاحاً ؛ لأنَّهُ لا مقصود فيه إلا سفح الماء ولا يطلب فيه الولد وسائر مصالح النِّكاح ، والمتعة لا يراد منها إلاَّ سفح الماء فكان سفاحاً ، هذا قول أبِي بكر الرَّازي ، وفيه مناقشة .
أمَّا الأولُ : فإنَّهُ تعالى ذكر أصْنافاً مِمَّنْ يَحْرُمُ وَطْؤهُنَّ ثم قال { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } أي وأحل لكم وَطْءُ ما وراء هذه الأصناف ، فأيُّ فساد في هذا الكلام .
وأمَّا الثَّاني : وهو أنَّ الإحْصَانَ لا يكون إلا في نِكَاحٍ صحيح فالمخالف يقول بصحَّةِ هذا النِّكَاحِ .
وأما الثَّالِثُ : وهو{[7390]} أنَّ الزِّنَا إنَّمَا سمي سفاحاً ؛ لأنَّهُ لا يراد منه إلا سفح الماء فالمتعةُ ليست كذلك فإنَّ المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع مأذون فيه من قبل اللَّه ، فلم قلتم إنَّ المتعة محرمة .
قال ابْنُ الخطيبِ{[7391]} : وَإنَّمَا الجواب المعتمدُ أن نقول : إنَّا لا نُنْكِرُ أنَّ المتعةَ كانت مباحة إنَّمَا الذي نقوله : إنَّها صارت منسوخَةً ، وعلى هذا التقدير ، فلو كانت [ هذه الآية دالة على أنها مشروعة ]{[7392]} [ لم يكن ذلك قادحاً في غرضنا ، وهذا هو الجواب أيضاً عن تمسكهم بقراءة أبيّ وابن عباس ، فإن تلك القراءة بتقدير ثبوتها لا تدل إلا على أن المتعة كانت مشروعة ، ونحن لا ننازع ]{[7393]} لكن نقول : إنَّ النسْخَ طرأ عليه ، وما ذكرتم من الدلائل لا يدفع قولنا ، وقولهم : إنَّ النَّاسخَ إمَّا أن يكون متواتراً أو آحاداً ، قلنا : لعلَّ بعضهم سمعه ثم نسيه [ ثم إن عمر - رضي لله عنه - لمّا ذكر في الجمع العظيم تذكروه وعرفوا صدقه فيه وسلموا الأمر له .
وقولهم : ]{[7394]} إنَّ عمر أضاف النّهي عن المتعة إلى نفسه .
قلنا : قد بَيَّنَا أنَّهُ لو كان مراده أنَّ المتعة كانت مباحة في شرع محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وأنا أنهى عنه ؛ لزمَ تكفيره ، وتكفير كلّ مَنْ لا يحاربه وينازعه ، ويفْضِي ذلك إلى{[7395]} تكفير جميع المؤمنين ، وكلُّ ذلك باطل فلم يبق إلا أن يقال : كان مراده{[7396]} أنّ المتعة كانت مباحة في زمن الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ، وأنا أنهى عنها لما ثبت أنَّهُ صلى الله عليه وسلم نسخها ، فهو ناقل للنَّسْخِ ، لا أنَّهُ نسخ من عنده .
قال القرطبيُّ{[7397]} : اختلف العلماءُ كم مرة أبيحت ونسخت ؛ ففي " صحيح مسلم " عن [ عبد ]{[7398]} الله قال : " كُنَّا نَغْزُو مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ليس لنا نِسَاء ، فقلنا : ألا نَسْتَخْصِي ؟ فنهانا عن ذَلِكَ ، ثُمَّ رَخَّص لنا أنْ نَنْكِحَ المَرْأةَ بالثَّوْبِ إلى أجَلٍ " {[7399]} قال أبُو حَاتِم البُسْتِيُّ في صحيحه : قولهم للنبيِّ صلى الله عليه وسلم " ألا نَسْتَخْصِي " دليل على أنَّ المتعة كانتَ مَحْظُورَةً قبل أنْ يبيح لهم الاستمتاع ، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم عن هذا معنىً ، ثم رَخَّص لهم في الغَزْوِ أن ينكحوا المرأة بالثَّوب إلى أجَلٍ ثمَّ نهى عنها عام خيبر ثم أذن فيها عام الفتح ثم حرمها بعد ثلاث فهي محرّمةٌ إلى يوم القيامة .
وقال ابن العَرَبِيّ{[7400]} : وأمَّا متعة النّساء فهي من غرائب الشَّريعة ؛ لأنَّهَا أبيحت في صدر الإسْلامِ ثمَّ حرمت يَوْمَ خيبر ، ثم أبيحت في غزوة أوْطَاسٍ ثُمَّ حرِّمت بعد ذلك ، واستقر الأمر على التَّحريم ، وليس لها أختٌ في الشَّريعة إلاَّ مسألة القبلة ، فإنَّ النَّسْخَ طرأ عليها [ مرتين ]{[7401]} ثم استقرَّتْ بعد ذلك .
وقال غيره مِمَّنْ جمع طرق الأحاديث فيها : إنَّها تقتضي التَّحليلَ والتَّحْرِيمَ سبع مرات فروى ابن أبي عمرة : أنَّها كانت في صدر الإسلام .
وروى سلمةُ بْنُ الأكوع{[7402]} : أنَّها كانت عام أوْطَاسٍ ، ومن رواية عليٍّ تحريمها يومَ خيبر ، ومن رواية الرَّبِيعِ بْنِ سبرة إباحتها يَوْمَ الفَتْحِ .
قال القرطبيُّ{[7403]} : وهذه الطرق كُلُّهَا في " صحيح مسلم " وغيره عن علي نَهْيُهُ عنها في غزوة تَبُوكَ وفي مصنف أبي داود من حديث الرَّبيعِ بْنِ سبرةَ النَّهي عنها في{[7404]} حجَّةِ الوَدَاعِ .
وروى الحسن عن [ ابن ]{[7405]} سبرة أيضاً : ما حلَّتِ المتعةُ قطُّ إلاّ ثلاثاً في عمرة القَضَاءِ ما حلَّت قبلها ، ولا بعدها{[7406]} .
فهذه سبعةُ مواطن أحلت فيها المتعة وحرمت .
قوله " فريضة " حال من أجورهن ، أو مصدر مؤكد أي فرض اللَّهُ ذلك فريضة [ أو فرضاً ]{[7407]} أو مصدر على غير المصدر ؛ لأنَّ الإيتاء مفروض فَكَأنَّهُ قال " فآتوهن أجورهن إيتاء مفروضاً " . قوله { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } من حمل الآية على النِّكاح الصّحيح قال المراد منه الإبراء من المهر ، أو الحط عنه ، أو الافتداء ، أو الاعتياض وهو كقوله تعالى { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً } [ النساء : 4 ] [ فإن قبضها ملكت بالقبض ]{[7408]} وقوله { إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } [ البقرة : 237 ] من حمل الآية على نِكَاحِ المتعة قال : أراد إذا انْقَطَعَ{[7409]} زمانُ المتعَةِ لم يبق للرَّجُلِ على المرأة سبيل ، فإنْ شاءت المرأة زادت في الأجل وزاد الرجل في الأجر وإن لم يتراضيا تفارقا{[7410]} .
فصل : [ حكم إلحاق الزيادة بالصداق ]
قال أبُو حنيفة : إلحاق الزِّيَادَةِ بالصَّدَاقِ جائز ، وهي ثابتة إن دَخَلَ بها ، أو مات عنها وإن طلقها قبل الدُّخولِ بطلت الزِّيَادة ، وكانت بمنزلة الهبة فإن قبضتها ملكتها بالقبض ، وإن لم تقبضها بطلت ، واحتَجُّوا بقوله { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ } وهذا بعمومه{[7411]} يدلُّ على جواز إلحاق الزِّيَادة [ بالصداق ، قال : بل هذه بالزيادة أخص منها بالنقصان ؛ لأنه تعالى علقه بتراضيهما ، والبراءة والحط لا يحتاج إلى رضا الزوج ، والزيادة لا تصح إلا بقبوله ، فإذا علق ذلك بتراضيهما جميعاً ، دل على أن المراد هو الزيادة .
الجواب أنه لا يجوز أن تكون الزيادة عبارة ]{[7412]} عما ذكره الزَّجَّاجُ ، وهو أنَّهُ إذا طلقها قبل الدُّخول ، فإن شاءت أبرأته من النَّصف ، وإن شاء الزَّوج سلّم إليها كلَّ المال ، فيكون قد زادها على ما وَجَبَ عليه ؛ ولأنَّ هذه الزيادة لو التحقت بالأصل لكان إمَّا مع العقد الأوَّلِ ، أوْ بعد زواله ، والأوَّلُ باطل ؛ لأنَّ العقد لما انعقد على القدر الأوَّلِ ، فلو انعقد مرَّةً أخرى على القدر الثَّاني ؛ لكان ذلك تكويناً لذلك العقد بعد ثبوته ، وهو تحصيلُ الحاصلِ .
والثَّاني باطل ؛ لانعقادِ الإجماع على أنَّ عند إلحاق الزَّيادَةِ لا يرتفعُ العقدُ الأوَّلُ ، ففسد{[7413]} قولهم .
فصل : [ في استحباب قلة المهر ]
اعلم أنَّهُ لا تقدير لأكثر{[7414]} الصّداق لقوله{[7415]} تعالى { وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً } [ النساء : 20 ] والمستحبّ أن لا يغالي فيه . قال عُمَرُ بْنُ الخطَّاب : " ألاَ لاَ تغالوا في صدقة النِّساء ، فإنَّهَا لو كانت مُكرمَةً في الدُّنْيَا وتقوى عند اللَّهِ ، لكان أولاكم بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نَكَحَ شيئاً من نسَائِهِ ، ولا أنكح شيئاً من بناته بأكثر من اثْنَي عشر أوقية{[7416]} .
وعن أبِي سَلَمَةَ قال : سألتُ عَائِشَة كم كان صداق النَّبي صلى الله عليه وسلم قالت : كَانَ صَدَاقُهُ لأزْوَاجِهِ اثْنَتي عَشْرَةَ أوقِيةً وَنشاً وقالت : أتدري ما النشُّ{[7417]} ؟ قلتُ : لا قالت : نصف أوقية فتلك خَمسمائة دِرهم{[7418]} ، وَأمَّا أقل الصَّداق فذهب بعضهم إلى أنَّهُ لا تقدير فيه ، بل ما جاز أنْ يكونَ مبيعاً أو ثمناً جاز أن يكون صداقاً ، وهو قول ربيعةَ ، وسفيانَ الثَّوريّ ، والشَّافعيِّ ، وأحمد وإسحاقَ .
وقال عمرُ بْنُ الخَطَّابِ : " في ثلاث قبضات مهر زينب " ، وقال سعيدُ بن المسيِّبِ : " لو أصدقها سوطاً جاز " ، وقال قوم : تقدر بنصاب السّرقة ، وهو قول مَالِكٍ ، وأبي حنيفَةَ ، غير أنَّ نصاب السَّرقةِ عند مالك ثَلاثَةُ دراهِمَ ، وحجَّةُ الشافعي وأحمد قوله عليه السلام " الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَماً مِنْ حَدِيدِ ، زوجتك بما معك من القرآن " ، وزوّج امْرَأةً على نَعْلَيْن .
فصل : [ في حكم جعل القرآن ونحوه صداقاً ]
قال الشافعيُّ ، وأحمدُ : " يجوزُ أن يجعل تعليم القرآن صَدَاقاً للحديث " ، وقال أصحابُ الرَّأي لا يجوزُ ، وكذلك كلُّ عَمَلٍ يجوزُ الاستئجار عليه مثل البِنَاءِ ، والخياطة وغيرهما يجوز أن يجعل صداقاً للحديث ، ولقول شُعيب لموسى عليه السَّلامُ
{ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ } [ القصص : 27 ] . وقال أبو حنيفة : لا يجوز أن يجعل منفعة الحرّ صداقاً .