مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{۞وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۖ كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ أَن تَبۡتَغُواْ بِأَمۡوَٰلِكُم مُّحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَٰفِحِينَۚ فَمَا ٱسۡتَمۡتَعۡتُم بِهِۦ مِنۡهُنَّ فَـَٔاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا تَرَٰضَيۡتُم بِهِۦ مِنۢ بَعۡدِ ٱلۡفَرِيضَةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا} (24)

{ والمحصنات مِنَ النساء } أي ذوات الأزواج لأنهن أحصنّ فروجهن بالتزوج . قرأ الكسائي بفتح الصاد هنا وفي سائر القرآن بكسرها وغيره بفتحها في جميع القرآن { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم } بالسبي وزوجها في دار الحرب . والمعنى وحرم عليكم نكاح المنكوحات أي اللاتي لهن أزواج إلا ما ملكتموهن بسبيهن وإخراجهن بدون أزواجهن لوقوع الفرقة بتباين الدارين لا بالسبي ، فتحل الغنائم بملك اليمين بعد الاستبراء { كتاب الله عَلَيْكُمْ } مصدر مؤكد أي كتب الله ذلك عليكم كتاباً وفرضه فريضة وهو تحريم ما حرم وعطف { وَأُحِلَّ لَكُمْ } على الفعل المضر الذي نصب كتاب الله أي كتب الله عليكم تحريم ذلك وأحل لكم { مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } ما سوى الحرمات المذكورة . «وأحل » : كوفي غير أبي بكر عطف على «حرمت » { أَن تَبْتَغُواْ } مفعول له أي بين لكم ما يحل مما يحرم لأن تبتغوا ، أو بدل مما «وراء ذلكم » ومفعول «تبتغوا » مقدر وهو النساء ، والأجود أن لا يقدر { بأموالكم } يعني المهور ، وفيه دليل على أن النكاح لا يكون إلا بمهر ، وأنه يجب وإن لم يسم ، وأن غير المال لا يصلح مهراً ، وأن القليل لا يصلح مهراً إذ الحبة لا تعد مالاً عادة { مُّحْصِنِينَ } في حال كونكم محصنين { غَيْرَ مسافحين } لئلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل لكم فتخسروا دينكم ودنياكم ، ولا فساد أعظم من الجمع بين الخسرانين . والإحصان العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام ، والمسافح الزاني من السفح وهو صب المني { فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ } فما نكحتموه منهن { فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } مهورهن لأن المهر ثواب على البضع ف «ما » في معنى النساء و«من » للتبعيض أو للبيان ويرجع الضمير إليه على اللفظ في «به » وعلى المعنى في «فآتوهن » { فَرِيضَةً } حال من الأجور أي مفروضة ، أو وضعت موضع إيتاء لأن الإيتاء مفروض أو مصدر مؤكد أي فرض ذلك فريضة . { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضة } فيما تحط عنه من المهر ، أو تهب له من كله ، أو يزيد لها على مقداره ، أو فيما تراضيا به من مقام أو فراق { إِنَّ الله كَانَ عَلِيماً } بالأشياء قبل خلقها { حَكِيماً } فيما فرض لهم من عقد النكاح الذي به حفظت الأنساب . وقيل : إن قوله «فما استمتعتم » نزلت في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح الله مكة على رسوله ثم نسخت .