ثم قال تعالى متهددًا لهم ، ومتوعدًا ومنذرًا لهم بأسه الذي لا يرد ، كما حل بأشباههم{[26240]} ونظرائهم من المشركين والمنكرين للبعث وكقوم تبع - وهم سبأ - حيث أهلكهم الله وخَرَّب بلادهم ، وشردهم في البلاد ، وفرقهم شذر مذر ، كما تقدم ذلك في سورة سبأ ، وهي مُصَدَّرة بإنكار المشركين للمعاد . وكذلك هاهنا شبههم بأولئك ، وقد كانوا عربًا من قحطان كما أن هؤلاء عرب من عدنان ، وقد كانت حمير - وهم سبأ - كلما ملك فيهم رجل سموه تُبَّعًا ، كما يقال : كسرى لمن ملك الفرس ، وقيصر لمن ملك الروم ، وفرعون لمن ملك مصر كافرا ، والنجاشي لمن ملك الحبشة ، وغير ذلك من أعلام الأجناس . ولكن اتفق أن بعض تبابعتهم خرج من اليمن وسار في البلاد حتى وصل إلى سمرقند ، واشتد{[26241]} ملكه وعظم سلطانه وجيشه ، واتسعت مملكته وبلاده ، وكثرت رعاياه وهو الذي مَصَّر الحيرة فاتفق أنه مَرَّ بالمدينة النبوية وذلك في أيام الجاهلية ، فأراد قتال أهلها فمانعوه وقاتلوه بالنهار ، وجعلوا يَقْرُونه بالليل ، فاستحيا منهم وكف عنهم ، واستصحب معه حبرين من أحبار يهود كانا قد نصحاه وأخبراه أنه لا سبيل له على هذه البلدة ؛ فإنها مُهَاجَرُ نبي يكون في آخر الزمان ، فرجع عنها وأخذهما معه إلى بلاد اليمن ، فلما اجتاز بمكة أراد هدم الكعبة فنهياه [ عن ذلك ]{[26242]} أيضًا ، وأخبراه بعظمة هذا البيت ، وأنه من بناية إبراهيم الخليل وأنه سيكون له شأن عظيم على يدي
ذلك النبي المبعوث في آخر الزمان ، فعظمها وطاف بها {[26243]} ، وكساها الملاء والوصائل والحبير . ثم كر راجعًا إلى اليمن ودعا أهلها إلى التهود معه ، وكان إذ ذاك دين موسى ، عليه السلام ، فيه من يكون على الهداية قبل بعثة المسيح ، عليه السلام ، فتهود معه عامة أهل اليمن . وقد ذكر القصة بطولها الإمام محمد بن إسحاق في كتابه السيرة{[26244]} وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه ترجمة حافلة ، أورد فيها أشياء كثيرة مما ذكرنا وما لم نذكر{[26245]} . وذكر أنه ملك دمشق ، وأنه كان إذا استعرض الخيل صُفَّت له من دمشق إلى اليمن ، ثم ساق من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن أبي ذئب{[26246]} ، عن المقبري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما أدري الحدود طهارة لأهلها أم لا ؟ ولا أدري تبع لعينًا{[26247]} كان أم لا ؟ ولا أدري ذو القرنين نبيًّا كان أم ملكا ؟ " وقال غيره : " أعزيرًا كان نبيًّا أم لا ؟ " . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن محمد بن حماد الظهراني ، {[26248]} عن عبد الرزاق{[26249]} .
قال الدارقطني : تفرد به عبد الرزاق{[26250]} . ثم روى ابن عساكر من طريق محمد بن كُرَيْب ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، مرفوعا : " عُزيرُ لا أدري أنبيًّا كان أم لا ؟ ولا أدري ألعين تُبَّع أم لا ؟ " {[26251]} .
ثم أورد ما جاء في النهي عن سبه ولعنته ، كما سيأتي . وكأنه - والله أعلم - كان كافرًا ثم أسلم وتابع دين الكليم{[26252]} على يدي من كان من أحبار اليهود في ذلك الزمان على الحق قبل بعثة المسيح ، عليه السلام ، وحج البيت في زمن الجُرهُميين ، وكساه الملاء والوصائل من الحرير والحبر ونحر عنده ستة آلاف بدنة وعظمه وأكرمه . ثم عاد إلى اليمن . وقد ساق قصته بطولها الحافظ ابن عساكر ، من طرق متعددة مطولة{[26253]} مبسوطة ، عن أبي بن كعب وعبد الله بن سلام ، وعبد الله بن عباس وكعب الأحبار . وإليه المرجع في ذلك كله ، وإلى عبد الله بن سلام أيضًا ، وهو أثبت وأكبر وأعلم . وكذا روى قصته وهب بن مُنَبِّه ، ومحمد بن إسحاق في السيرة كما هو مشهور فيها . وقد اختلط على الحافظ ابن عساكر في بعض السياقات ترجمة تُبَّع هذا بترجمة آخر متأخر عنه بدهر طويل ، فإن تُبَّعًا هذا المشار إليه في القرآن أسلم قومه على يديه ، ثم لما مات {[26254]} عادوا بعده إلى عبادة الأصنام والنيران ، فعاقبهم الله تعالى كما ذكره في سورة سبأ ، وقد بسطنا قصتهم هنالك ، ولله الحمد والمنة .
وقال سعيد بن جبير : كسا تبع الكعبة ، وكان سعيد ينهى عن سبه .
وتُبَّع هذا هو تُبَّع الأوسط ، واسمه أسعد أبو {[26255]} كُرَيْب بن مَلْكيكرب{[26256]} اليماني ذكروا أنه ملك على قومه ثلاثمائة سنة وستا{[26257]} وعشرين سنة ، ولم يكن في حمير أطول مدة منه ، وتوفي قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو من سبعمائة عام . وذكروا أنه لما ذكر له الحبران من يهود المدينة أن هذه البلدة مُهَاجَرُ نبي آخر في الزمان{[26258]} ، اسمه أحمد ، قال في ذلك شعرا واستودعه عند أهل المدينة . وكانوا يتوارثونه ويروونه خلفًا عن سلف . وكان ممن يحفظه أبو أيوب خالد بن زيد الذي نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في داره ، وهو :
شَهِدْتُ عَلَى أَحْمَدَ أنَّه *** رَسُولٌ مِنَ اللهِ بَاري النَّسَمْ
فَلَو مُدَّ عُمْري إلى عُمْرِهِ*** لَكُنْت وَزيرا له وابن عَمْ
وَجَاهَدْتُ بالسَّيفِ أعْدَاءَهُ*** وَفرَّجتُ عَنْ صَدْرِه كُلَّ غَمْ
وذكر ابن أبي الدنيا أنه حُفِر قبر بصنعاء في الإسلام ، فوجدوا فيه امرأتين صحيحتين ، وعند رءوسهما لوح من فضة مكتوب فيه بالذهب : " هذا قبر حبي ولميس - وروي : حبي وتماضر - ابنتي تُبَّع ماتتا ، وهما تشهدان أن لا إله إلا الله ولا تشركان به شيئًا ، وعلى ذلك مات الصالحون قبلهما .
وقد ذكرنا في " سورة سبأ " شعر سبأ في ذلك أيضًا .
قال قتادة : ذكر لنا أن كعبًا كان يقول في تبع : نُعِت نَعْت الرجل الصالح ، ذم الله تعالى قومه ولم يذمه ، قال : وكانت عائشة تقول : لا تسبوا تُبَّعًا ؛ فإنه قد كان رجلا صالحًا .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا صفوان ، حدثنا الوليد ، حدثنا عبد الله بن لَهِيعَة عن أبي زُرْعَة - يعني عمرو بن جابر الحضرمي - قال : سمعت سهل بن سعد الساعدي يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا تُبَّعًا ؛ فإنه قد كان أسلم " .
ورواه الإمام أحمد في مسنده عن حسن بن موسى ، عن ابن لَهِيعة ، به{[26259]} .
وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا أحمد بن محمد بن أبي بَزَّة ، حدثنا مؤمل ابن إسماعيل ، حدثنا سفيان ، عن سمَاك بن حرب ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تسبوا تبعا ؛ فإنه قد أسلم " {[26260]} .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا مَعْمَر ، عن ابن أبي ذئب ، عن المقْبُري ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أدري ، تُبَّع نبيًّا كان أم غير نبي " {[26261]} .
وتقدم بهذا السند من رواية ابن أبي حاتم كما أورده ابن عساكر : " لا أدري تُبَّع كان لعينًا {[26262]} أم لا ؟ " . فالله أعلم .
ورواه ابن عساكر من طريق زكريا بن يحيى البدي {[26263]} ، عن عكرمة ، عن ابن عباس موقوفًا .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا عمران أبو الهذيل ، أخبرني تميم بن عبد الرحمن قال : قال عطاء بن أبي رباح : لا تسبوا تُبَّعًا ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى{[26264]} عن سبه{[26265]} .
{ أهم خير } في القوة والمنعة . { أم قوم تبع } تبع الحميري الذي سار بالجيوش وحير الحيرة وبني سمرقند . وقيل هدمها وكان مؤمنا وقومه كافرين ولذلك ذمهم دونه . وعنه عليه الصلاة والسلام : " ما أدري أكان تبع نبيا أم غير نبي " . وقيل لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون كما قيل لهم الأقيال لأنهم يتقيلون . { والذين من قبلهم } كعاد وثمود . { أهلكناهم } استئناف بمآل قوم تبع . { والذين من قبلهم } هدد به كفار قريش أو حال بإضمار قد أو خبر من الموصول إن استؤنف به . { إنهم كانوا مجرمين } بيان للجامع المقتضي للإهلاك .
قوله تعالى : { أهم خير } الآية تقرير فيه وعيد ، و : { تبع } ملك حميري ، وكان يقال لكل ملك منهم : { تبع } ، إلا أن المشار إليه في هذه الآية رجل صالح من التبابعة . قال كعب الأحبار : ذم الله تعالى قومه ولم يذمه ، ونهى العلماء عن سبه ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق سهل بن سعد : أن تبعاً هذا أسلم وآمن بالله ، وروي أن ذلك كان على يد أهل كتاب كانوا بحضرته{[10242]} . وقال ابن عباس : كان { تبع } نبياً . وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «ما أدري أكان { تبع } نبياً أم غير نبي ؟ »{[10243]} . وقال ابن جبير : هو الذي كسا الكعبة ، وقد ذكره ابن إسحاق في السيرة ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إنهم كانوا مجرمين } يريد بالكفر . وقرأت فرقة : «أنهم » بفتح الألف . وقرأ الجمهور بكسرها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
خوفهم الله تعالى بمثل عذاب الأمم الخالية، فقال: {أهم خير أم قوم تبع}؛ لأن قوم تبع أقرب في الهلاك إلى كفار مكة.
{والذين من قبلهم} من الأمم الخالية.
{إنهم كانوا مجرمين} يعني مذنبين مقيمين على الشرك منهمكين عليه...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: أهؤلاء المشركون يا محمد من قومك خير أم قوم تُبّع، يعني تُبّعا الحِمْيريّ.
"وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِهمْ": أهؤلاء المشركون من قريش خير أم قوم تبّعِ والذين من قبلهم من الأمم الكافرة بربها: فليس هؤلاء بخير من أولئك فنصفح عنهم ولا نهلكهم، وهم بالله كافرون، كما كان الذين أهلكناهم من الأمم من قبلهم كفارا.
"إنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ": إن قوم تبّع والذين من قبلهم من الأمم الذين أهلكناهم؛ إنما أهلكناهم لإجرامهم، وكفرهم بربهم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ليس في هذا جواب لقولهم: {فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين} ولم يأت بجواب ذلك؛ وإنما كان لأنهم لم يستحقّوا الجواب لهذا السؤال، لأنهم سألوا ذلك تعنُّتا وعنادا، ويحتمل أن يكون في هذا جواب قولهم وسؤالهم الآية المُخترعة.
وفي الآية دلالة على البعث أيضا في وجهين: {أهم خير أم قوم تُبّع} ومن ذكر، أي أولئك هم أشد قوة أم هؤلاء؟ وهم علموا أن أولئك أشدّ قوة وبطشا، ثم لم يتهيأ لهم الامتناع من عذاب الله إذ نزل بهم بتكذيبهم الرسل وإنكارهم البعث، فأنتم دون أولئك، فكيف يتهيأ لكم الامتناع من العذاب الذي نزل بكم؟ وهو كقوله: {أكُفّاركم خير من أولئكم} [القمر: 43]، وإذا لم يتهيأ لهم الدفع، ومن سنّته الاستئصال بالتكذيب للآيات المخترعة، وقد وعد البقاء لهذه الأمة إلى يوم القيامة وكونه رحمة للخلق؛ لذلك لم يُعطهم الآية التي سألوا، والله أعلم.
وأما الثاني، وهو أنه لما أخبر أن تعذيب أولئك الكَفرة لتكذيب الرسل وإنكار البعث فدلّ أن البعث حقٌّ حتى يستحقّ مُنكِرُه العذاب.
{أهم خير أم قوم تبع} استفهام على سبيل الإنكار..
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما أخبروا على هذه العظمة تنطعاً؛ لأنها لو وقعت لم يكن بأدل على ثبوت النبوة المستلزمة لتصديق كل ما يقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما يأتيهم به من الآيات غير خائفين من الله وهم يعلمون قدرته وإهلاكه للماضين؛ لأجل تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام، وكأنهم يدعون خصوصيته في مكنة من عين أو معنى ينجون بها من مساواة من قبلهم في ذلك، فقال تعالى منكراً عليهم: {أهم خير} أي في الدين والدنيا.
{أم قوم تبع} أي الذين ملك بهم تبع... وقومه حمير ومن تبعهم أقرب المهلكين إلى قريش زماناً ومكاناً، وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من الآثار، وقال الرازي في اللوامع هو أول من كسا البيت...
ولما كان ذلك في سياق التهديد بالإهلاك لأجل مخالفتهم، وكان الإهلاك لذلك إنما كان لبعض من تقدم زمانهم لا لجميع الخلق، أدخل الجار فقال: {والذين من قبلهم} أي من مشاهير الأمر كمدين وأصحاب الأيكة والرس وثمود وعاد.
ولما كان كأنه قيل: ما لهؤلاء الأمم؟ قيل: {أهلكناهم} أي بعظمتنا وإن كانوا عظماء لا يعسرهم هؤلاء فيما لهم من المكنة لقطعهم من أمر الله به أن يوصل من الرسل وأتباعهم، وتكذيبهم بما أتوا به، ولذلك علل الإهلاك تحذيراً للعرب بقوله مؤكداً لظنهم أن هلاكهم إنما هو على عادة الدهر: {إنهم كانوا} أي جبلة وطبعاً.
{مجرمين} أي عريقين في الإجرام، فليحذر هؤلاء إذا ارتكبوا مثل أفعالهم من مثل حالهم وأن يحل بهم ما حل بهم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
قبل أن يوجههم هنا إلى هذا التدبر في تصميم الكون ذاته، يلمس قلوبهم لمسة عنيفة بمصرع قوم تبع والتبابعة من ملوك حمير في الجزيرة العربية، ولا بد أن القصة التي يشير إليها كانت معروفة للسامعين، ومن ثم يشير إليها إشارة سريعة للمس قلوبهم بعنف، وتحذيرها مصيراً كهذا المصير: (أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين)..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
استئناف ناشئ عن قوله: {ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون} [الدخان: 17] فضمير {هم راجع إلى اسم الإشارة في قوله: {إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى} [الدخان: 34، 35] فبعد أن ضرب لهم المثل بمهلك قوم فرعون زادهم مثلاً آخر هو أقرب إلى اعتبارهم به وهو مُهلك قوم أقرب إلى بلادهم من قوم فرعون، وأولئك قوم تبّع فإن العرب يتسامعون بعظمة مُلك تُبَّع وقومه أهل اليمن وكثير من العرب شاهدوا آثار قوتهم وعظمتهم في مراحل أسفارهم وتحادثوا بما أصابهم من الهلك بسيل العرم. وافتتح الكلام بالاستفهام التقريري لاسترعاء الأسماع لمضمونه؛ لأن كل أحد يعلم أن تُبَّعاً ومن قبله من الملوك خير من هؤلاء المشركين.
والمعنى: أنهم ليسوا خيراً من قوم تبع ومن قبلهم من الأمم الذين استأصلهم الله لأجل إجرامهم فلما مَاثلوهم في الإجرام فلا مزيّة لهم تدفع عنهم استئصال الذي أهلك الله به أمماً قبلهم.
والاستفهام في {أهم خير أم قوم تبع} تقريري إذ لا يسعهم إلا أن يعترفوا بأن قوم تبّع والذين من قبلهم خير منهم لأنهم كانوا يضربون بهم الأمثال في القوة والمنعة.
وقوم تُبّع هم حمير وهم سكان اليمن وحضرَموت من حمير وسبأ وقد ذكرهم الله تعالى في سورة قَ.
وتُبّع بضم الميم وتشديد الموحدة لقب لِمَن يملك جميع بلاد اليمن حِمْيراً وسبأ وحضرموت، فلا يطلق على الملك لقب تُبّع إلا إذا ملك هذه المواطن الثلاثة...
وتعليق الإهلاك بقوم تُبّع دونه يقتضي أن تبّعاً نجا من هذا الإهلاك وأن الإهلاك سلط على قومه، قالت عائشة: ألا ترى أن الله ذمّ قومه ولم يَذمه.
وجملة {أهلكناهم} مستأنفة استئنافاً بيانياً لما أثاره الاستفهام التقريري من السؤال عن إبهامه ماذا أريد به.
وجملة {إنهم كانوا مجرمين} تعليل لمضمون جملة {أهلكناهم}، أيْ أهلكناهم عن بكرة أبيهم بسبب إجرامهم، أي شركهم.