تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

{ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ } أي : يوم القيامة يقولون : آمنا بالله وبكتبه ورسله{[24416]} ، كما قال تعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] ؛ ولهذا قال تعالى : { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ } أي : وكيف لهم تعاطي{[24417]} الإيمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم وصاروا إلى الدار الآخرة ، وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء ، فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ، ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان ، كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد .

قال مجاهد : { وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ } قال : التناول لذلك .

وقال الزهري : التناوش : تناولهم الإيمان وهم في الآخرة ، وقد انقطعت عنهم الدنيا .

وقال الحسن البصري : أما إنهم طلبوا الأمر من حيث لا ينال ، تعاطوا الإيمان من مكان بعيد .

وقال ابن عباس : طلبوا الرجعة إلى الدنيا والتوبة مما هم فيه ، وليس بحين{[24418]} رجعة ولا توبة . وكذا قال محمد بن كعب القرظي ، رحمه الله .


[24416]:- في ت ، أ: "وبرسله".
[24417]:- في ت ، س ، أ: "تعاطى عن".
[24418]:- في ت ، أ: "وليس هو حين".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

{ وقالوا آمنا به } بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وقد مر ذكره في قوله : { ما بصاحبكم } . { وأنى لهم التناوش } ومن أين لهم أن يتناولوا الإيمان تناولا سهلا . { من مكان بعيد } فإنه في حيز التكليف وقد بعد عنهم ، وهو تمثيل لحالهم في الاستخلاص بالإيمان بعدما فات عنهم أوانه وبعد عنهم ، بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة تناوله من ذراع في الاستحالة ، وقرأ أبو عمرو والكوفيون غير حفص بالهمز على قلب الواو لضمتها . أو أنه من نأشت الشيء إذا طلبته قال رؤبة :

أقحمني جار أبي الجاموش *** إليك نأش القدر التؤوش

أو من نأشت إذا تأخرت ومنه قوله :

تمنى نشيشا أن يكون أطاعني*** وقد حدثت بعد الأمور أمور

فيكون بمعنى التناول من بعد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

الضمير في { به } عائد على الله تعالى ، وقيل على محمد صلى الله عليه وسلم وشرعه والقرآن ، وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وعامة القراء «التناوُش » بضم الواو دون همز ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وعاصم أيضاً «التناؤش » بالهمز ، والأولى معناها التناول من قولهم ناش ينوش إذا تناول وتناوش القوم في الحرب إذا تناول بعضهم بعضاً بالسلاح ، ومنه قول الراجز : [ الرجز ]

فهي تنوش الحوض نوشاً من علا . . . نوشاً به تقطع أجواز الفلا{[9678]}

فكأنه قال وأنى لهم تناول مرادهم وقد بعدوا عن مكان إمكان ذلك ، وأما التناؤش بالهمز فيحتمل أن يكون من التناؤش الذي تقدم تفسيره وهمزت الواو لما كانت مضمونة وكانت ضمتها لازمة ، كما قالوا أقتت وغير ذلك{[9679]} ، ويحتمل أن يكون من الطلب ، تقول " تناءشت الشيء " {[9680]} إذا طلبته من بعد ، وقال ابن عباس تناؤش الشيء رجوعه حكاه عنه ابن الأنباري وأنشد : [ الوافر ]

تمنى أن تؤوب إليك ميّ . . . وليس إلى تناوشها سبيل{[9681]}


[9678]:هذان البيتان من الرجز المشطور، ذكرهما صاحب التاج، وصاحب اللسان مرتين، مرة في (علا) شاهدا على أن قوله:(من علا) معناه: من أعلى، ومرة في (نوش) شاهدا على أن التناوش معناه: التناول، وقال في التاج: هو لأبي النجم الراجز، أو لغيلان ابن حريث، أما في اللسان فقد نسبه إلى أبي النجم في (علا)، وإلى غيلان في (نوش).وذكرهما الجوهري في الصحاح ولكنه لم ينسبهما، وقال: المعنى أنها تتناول ماء الحوض من فوق وتشرب شربا كثيرا، وتقطع بذلك الشرب فلوات فلا تحتاج إلى ماء آخر. وذكرهما كذلك الفراء في (معاني القرآن)، وأبو عبيدة في (مجاز القرآن). وهذا الضمير في (فَهْيَ) يعود على الإبل، وتنوش الحوض: تتناول منه الماء، من علا: من فوق، وأجواز: جمع جوز وهو الوسط، أي: وسط الصحراء الواسعة، يصف الإبل بأنها عالية الأجسام طويلة الأعناق، ولذلك فهي تتناول الماء من الحوض من فوق وتشرب كثيرا، فيساعدها ذلك على قطع الفلاة بدون أن تحتاج إلى ماء آخر.
[9679]:قال أبو حيان الأندلسي تعقيبا على ذلك:"ليس على إطلاقه، بل لا يجوز ذلك في المتوسطة إذا كانت مدغمة فيها".
[9680]:في الأصل:"اتناءشت الشر"، وهو خطأ، والصواب ما ذكرناه، ونعتقد أن هذا الخطأ نشأ عن تحريف من النساخ.
[9681]:هذا شاهد على أن التناوش يكون بمعنى الرجوع، ويروى البيت:"تمنى أن تؤوب إلي"، وآب معناها: رجع، وفي الكتاب العزيز:{وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}، وفي الحديث الشريف أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أقبل من سفر قال:(آيبون تائبون، لربنا حامدون)، وعلى هذا يكون معنى البيت: يتمنى رجوع ميّ ولكن ليس إلى رجوعها من سبيل، ويكون المعنى في الآية: يطلبون الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا وهيهات لهم ذلك.