نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

والأقرب أن يكون القرآن{[57165]} الذي قالوا إنه إفك مفترى { وأنّى } أي وكيف ومن أين { لهم التناوش } أي تناول الإيمان أو شيء من ثمراته ، وكأنه عبر به لأنه يطلق على الرجوع ، فكان المعنى أن ذلك بعد عليهم من جهة أنه لا يمكن إلا برجوعهم إلى الدنيا التي هي دار العمل ، و{[57166]} أنى لهم ذلك ؟ وهو تمثيل{[57167]} لحالهم - في طلبهم أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كما نفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا - بحال من يريد أن يتناول شيئاً من علوه كما يتناوله الآخر من قدر ذراع تناولاً سهلاً ، لا نصب فيه ، ومده أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم{[57168]} لهمزهم إياه فقيل : إن الهمز على الواو المضمومة كما همزت في وجوه ووقتت{[57169]} فيكون لفظه موافقاً لمعناه ، والصحيح أنه ليس من هذا{[57170]} ، لأن شرط همز الواو المضمومة ضمةً لازمةً أن لا يكون مدغماً فيها إذا كانت وسطاً كالتعود{[57171]} ، وأن لا يصح في الفعل نحو تناول وتعاون ، وقد حكى عن أبي عمرو أن معناه بالهمز التناول من بعد ، من قولهم نأش - بالهمز - إذا أبطل وتأخر ، والنيش حركة في إبطاء ، والنأش أيضاً : الأخذ ، فيكون الهمز أصلياً ، وقرأه الباقون بالواو مثل التناول لفظاً ومعنى ، فقراءة الواو المحضة تشير إلى أنهم يريدون تناولاً سهلاً مع{[57172]} بعد المتناول في المكان ، وقراءة الهمز إلى أن إرادتهم تأخرت وأبطأت حتى فات وقتها ، فجمعت إلى بعد المكان بعد الزمان .

ولما كان البعيد لا يمكن{[57173]} الإنسان تناوله مع بعده قال : { من مكان بعيد * } فإنه بعد كشف الغطاء{[57174]} عند مجيء البأس لا ينفع الإيمان


[57165]:زيد من ظ وم ومد.
[57166]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: أو.
[57167]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تمثيلهم.
[57168]:راجع نثر المرجان 5/497.
[57169]:من م ومد، وفي الأصل وظ: وقت.
[57170]:سقط من ظ.
[57171]:من ظ ومد، وفي الأصل وم: كالمتعود.
[57172]:سقط من ظ.
[57173]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: من.
[57174]:سقط من ظ.