التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

{ وقالوا آمَنَّا بِهِ } أى : وقال هؤلاء الكافرون عندما رأوا العذاب المعد لهم فى الآخرة : آمنا بالله - تعالى - وبأنه هو الواحد الفرد الصمد ، الذى لا معبود بحق سواه ، وآمنا بهذا الدين الذى جاءنا به رسوله صلى الله عليه وسلم .

وقوله - سبحانه - : { وأنى لَهُمُ التناوش مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } بيان لعدم انتفاعهم بما قالوه من إظهار الإِيمان فى هذا الوقت .

والتناوش : التناول . يقال : فلا ناشٍ الشئ ينوشه نوشا إذا تناوله . ومنه قولهم : تناشوا بالرماح ، أى : تناول بعضهم بعضاً بها .

أى : لقد قالوا بعد البعث آمنا بهذا الدين ، ومن أين لهم فى الآخرة تناول الإِيمان والتوبة من الكفر ، وكان ذلك قريباً منهم فى الدنيا فضيعوه ، وكيف يظفرون به فى الآخرة وهى بعيدة عن دار الدنيا التى هى محل قبول الإِيمان .

فالجملة الكريمة تمثيل لحالهم فى طلب الخلاص بعد أن فات أوانه ، وأن هذا الطلب فى نهاية الاستبعاد كما يدل عليه لفظ { أنى } .

قال صاحب الكشاف : والتناوش والتناول أخوان . إلا أن التناوش تناول سهل لشئ قريب . .

وهذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون ، وهو أني نفعهم إيمانهم فى هذا الوقت ، كما يفنع المؤمنين إيمانهم فى الدنيا . مثلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشئ من غلوة - أى : من كان بعيد - ، كما يتناوله الآخر من قيس ذراع تناولا سهلا لا تعب فيه . .