قوله : { وقالوا آمَنَّا بِه } أي عند اليأس . والضمير في «به »{[44894]} لله{[44895]} أو للرسول{[44896]} أو للقرآن{[44897]} أو للعذاب أو للبعث{[44898]} و «أَنّى لَهُمْ » أي من أين لهم أي كيف يقدرون على الظَّفَرِ بالمطلوب وذلك لا يكون إلاَّ في الدنيا وهم في الآخرة والدنيا من الآخرة بعيدة{[44899]} .
فإن قيل : فكيف قال في كثير من المواضع : إنَّ الآخِرَةَ من الدنيا قريبة وسمى الله الساعة قريبة فقال : { اقتربت الساعة } [ القمر : 1 ] { اقترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [ الأنبياء : 1 ] { لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ } [ الشورى : 17 ] .
فالجواب : أن الماضي كالأمس الدابر وهو أبعد ما يكون ؛ إذ لا وصولَ إليه والمستقبل وإن كان بينه وبين الحاضر سنين فإنه آتٍ فيوم القيامة الدنيا بعيدة منه لمضيِّها ويوم القيامة في الدنيا قريب لإتيانه{[44900]} .
قوله : { التناوش } مبتدأ و «أنَّى » خَبَرهُ ، أي كيف لهم التناوش و «لَهُم » حال ، ويجوز أن يكون «لهم » رافعاً للتناوش لاعتماده على الاستفهام تقديره كيف استقر لهم التناوش ؟ وفيه بعد{[44901]} ، والتناوش مهموز في قراءة الأخوين وأبي عمرو ، وأبي{[44902]} بكر وبالواو في قراءة غيرهم ، فيحتمل أن يكونا مادتين مستقلتين مع اتّحاد معناهما{[44903]} ، وقيل : الهمزة عن الواو لانضمامها كوُجُوهٍ وأُجُوه ، ووُقّتت وأُقِّتَتْ وإليه ذهب جماعة كثيرةٌ كالزَّجّاج{[44904]} والزَّمخْشَري{[44905]} وابن عطية{[44906]} والحَوْفي{[44907]} وأبي البقاء{[44908]} قال الزجاج : كل واو مضمومة ضمة لازمة فأنت فيها بالخيار{[44909]} ، وتابعه الباقون{[44910]} قريباً من عبارته .
وردَّ أبو حيانَ هذا الإطلاق وقيده بأنه لا بدّ أن تكون الواو غير مدغم فيها تحرزاً من التعوذ وأن تكون غير مصححة في الفعل فإنها متى صحت في الفعل لم تبدل همزة نحو : تَرَهُوَكَ تَرَهْوُكاً ، وتَعَاوَنَ تَعَاوُناً . وهذا القيد الآخر يبطل قولهم لأنها صحت في : «تَنَاوَشَ يَتَنَاوَشُ » ، ومتى سلم له هذان القيدان أو الأخير منهما ثَبَتَ رده{[44911]} . والتَّنَاوُشُ الرجوعُ ، قال :
4143- تَمَنَّى أَنْ تَئُوبَ إلَيَّ مَيٌّ . . . وَلَيْسَ إلى تَنَاوُشِهَا سَبِيلُ{[44912]}
أي إلى رجوعها . وقيل : هو التناول يقال : نَاشَ كذا أي تَنَاوَلَهُ ومنه تَنَاوشَ القَوْمُ بالسِّلاح{[44913]} كقوله :
4144- ظَلَّتْ سُيُوفُ بَنِي أبِيهِ تَنُوشُهُ . . . لِلَّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تَشَقَّقُ{[44914]}
4145- وهي تَنُوشُ الْحَوْضَ نَوْشاً مِنْ عَلاَ . . . نَوْشاً به تقطَع أجْوَازَ الفَلاَ{[44915]}
وفرق بعضهم بين المهموز وغيره فجعل المهموز بمعنى التأخير . وقال الفراء : من نَأَشْتُ أي تَأَخَّرْتُ{[44916]} . وأنشد :
4146- تَمَنَّى نَئِيشاً أَنْ يَكُونَ مُطَاعُنَا . . . وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ الأُمُورِ أُمُورُ{[44917]}
4147- قَعَدْتَ زَمَاناً عَنْ طِلاَبِكَ لْلعُلاَ . . . وَجِئْتَ نَئِيشاً بَعْدَ مَا فَاتَكَ الخَيْرُ{[44918]}
وقال الفراء أيضاً : هما متقاربان يعني الهمزة وتركها مثل ذِمْتُ الشيء وذَأَمْتُهُ أي عِبْتُهُ{[44919]} وانْتَاشَ انِتْيَاشاً كَتَنَاوَشَ وقال :
4148- كَانَتْ تَنُوشُ العنق انْتِيَاشا{[44920]} . . .
وهذا مصدر على غير المصدر{[44921]} ، و «مِنْ مَكَانٍ » متعلق بالتَّنَاوُشِ .
فصل{[44922]}
المعنى كيف لهم تناول ما بعد عنهم وهو الإيمان والتوبة وقد كان قريباً في الدنيا فضيّعوه وهذا على قراءة من لم يهمز وأما من همز فقيل معناه هذا أيضاً . وقيل : التناوش بالهمز من النَّيْشِ وهي حركة في إبطاء ، يقال : جاء نيْشاً أي مُبْطِئاً متأخراً والمعنى من أين لهم الحركة فيما لا حيلة لهم فيه{[44923]} .
قال ابن عباس : يسألون الرد فيقال : وأنَّى لهم الردُّ إلى الدنيا «من مكان بعيد » أي من الآخرة إلى الدنيا{[44924]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.