فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

{ وَقَالُوا } وقت النزع وهو وقت نزول العذاب بهم عند الموت كقوله تعالى : { فلما رأوا بأسنا قالوا : آمنا بالله وحده } ، أو عند البعث فإن الكفار كلهم يؤمنون حينئذ { آمَنَّا بِهِ } أي بمحمد صلى الله عليه وسلم قاله قتادة أو بالقرآن ، وقال مجاهد : بالله عز وجل ، وقال الحسن : بالبعث ثم نفى الله عنهم نفع الإيمان بقوله :

{ وَأَنَّى } أي من أين { لَهُمُ التَّنَاوُشُ } أي التناول ، وهو تقابل من النوش الذي هو التناول ، والمعنى : كيف لهم أن يتناولوا الإيمان من بعد يعني في الآخرة ، وقد تركوه في الدنيا وهو معنى قوله :

{ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ } وهو تمثيل لحالهم في طلب الخلاص بعد ما فات عنهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة تناوله من ذراع في الاستحالة ، قال ابن السكيت : يقال للرجل إذا تناول رجلا ليأخذ برأسه أو بلحيته ناشه ينوشه نوشا ، ومنه المناوشة في القتال ، وذلك إذا تدانى الفريقان . وقيل التناوش : الرجعة أي وأنى لهم الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا ، وقال ابن عباس : قال يسألون الرد إلى الدنيا وليس بحين رد ، وقال التناوش : تناول الشيء وليس بحين ذلك وقال السدي : هو التوبة أي طلبوها ، وقد بعدت لأنها إنما تقبل في الدنيا وقرى : التناوش بالواو وبالهمز واستبعد الثانية أبو عبيد والنحاس ولا وجه للاستبعاد فقد ثبت ذلك في لغة العرب وأشعارها ، قال الفراء : الهمزة وتركها متقارب .