السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

{ وقالوا } أي : عند الأخذ ومعاينة الثواب والعقاب { آمنا به } أي : القرآن الذي قالوا : إنه أفك مفترى أو محمد صلى الله عليه وسلم الذي قالوا : إنه ساحر { وأنى } أي : وكيف ومن أين { لهم التناوش } أي : تناول الإيمان تناولاً سهلاً { من مكان بعيد } أي : عن محله إذ هم في الآخرة ومحله في الدنيا ، ولا يمكن إلا برجوعهم إلى الدنيا التي هي دار العمل وهذا تمثيل لحالهم في طلبهم أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كما ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا بحال من أراد أن يتناول شيئاً من علوه كما يتناوله الآخر من قدر ذراع تناولاً سهلاً لا تعب فيه ، فإن قيل : كيف قال تعالى : { من مكان بعيد } وقد قال تعالى في كثير من المواضع أن الآخرة من الدنيا قريب ، وسمى الله تعالى الساعة قريبة فقال { اقتربت الساعة } ( القمر : 1 ) { اقترب للناس حسابهم } ( الأنبياء : 1 )

{ لعل الساعة قريب } ( الشورى : 17 ) أجيب : بأن الماضي كالأمس الدابر وهو من أبعد ما يكون إذ لا وصول إليه ، والمستقبل وإن كان بينه وبين الحاضر سنون فإنه آت فيوم القيامة الدنيا بعيدة منه لمضيها ، ويوم القيامة في الدنيا قريب لإتيانه ، وقرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي بعد الألف بهمزة مضمومة والباقون بعد الألف بواو مضمومة فمعناه على هذا : كيف لهم تناول ما بعد عنهم وهو الإيمان والتوبة وقد كان قريباً في الدنيا فضيعوه ، وأما من همز فقيل معناه هذا أيضاً .

وقيل : التناؤش بالهمز من التنؤش الذي هو حركة في إبطاء يقال : جاء منئشاً أي : مبطئاً متأخراً والمعنى : من أين لهم الحركة فيما لا حيلة لهم فيه قال ابن عباس : يسألون الرد فيقال : وأنى لهم الرد إلى الدنيا من مكان بعيد أي : من الآخرة إلى الدنيا وأمال أنى محضة حمزة والكسائي ، وأبو عمرو بين بين وورش بالفتح وبين اللفظين والباقون بالفتح .