تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مدنية{[1]} .

هذه آداب {[27018]} ، أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام ، فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [ وَاتَّقُوا اللَّهَ ] } {[27019]} ، أي : لا تسرعوا في الأشياء بين يديه ، أي : قبله ، بل كونوا تبعا له في جميع الأمور ، حتى يدخل في عموم هذا الأدب الشرعي حديث معاذ ، [ إذ ] {[27020]} قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن : " بم تحكم ؟ " قال : بكتاب الله . قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : بسنة رسول الله . قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : أجتهد رأيي ، فضرب في صدره وقال : " الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله ، لما يرضي رسول الله " .

وقد رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه . فالغرض منه أنه أخر رأيه ونظره واجتهاده إلى ما بعد الكتاب والسنة ، ولو قدمه قبل البحث عنهما لكان من باب التقديم بين يدي الله ورسوله .

قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } : لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة .

وقال العَوْفي عنه : نهى{[27021]} أن يتكلموا بين يدي كلامه .

وقال مجاهد : لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء ، حتى يقضي الله على لسانه .

وقال الضحاك : لا تقضوا أمرا دون الله ورسوله من شرائع دينكم .

وقال سفيان الثوري : { لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } بقول ولا فعل .

وقال الحسن البصري : { لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال : لا تدعوا قبل الإمام .

وقال قتادة : ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون : لو أنزل في كذا كذا ، وكذا لو صنع كذا ، فكره الله ذلك ، وتقدم فيه .

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } أي : فيما أمركم به ، { إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ } أي : لأقوالكم { عَلِيمٌ } بنياتكم .


[1]:زيادة من أ.
[27018]:- (2) في م: "آيات".
[27019]:- (3) زيادة من م.
[27020]:- (4) زيادة من ت، وفي أ: "حيث".
[27021]:- (6) في ت، م، أ: "نهوا".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية وآيها ثماني عشرة آية .

بسم الله الرحمن الرحيم { يأيها الذين آمنوا لا تقدموا } أي لا تقدموا أمرا ، فحذف المفعول ليذهب الوهم إلى كل ما يمكن ، أو ترك لأن المقصود نفي التقديم رأسا أو لا تتقدموا ومنه مقدمة الجيش لمتقدميهم ، ويؤيده قراءة يعقوب " لا تقدموا " . وقرئ " لا تقدموا " من القدوم . { بين يدي الله ورسوله } مستعار مما بين الجهتين المسامتتين ليدي الإنسان تهجينا لما نهوا عنه ، والمعنى لا تقطعوا أمرا قبل أن يحكما به . وقيل المراد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الله تعظيم له وإشعار بأنه من الله بمكان يوجب إجلاله . { واتقوا الله } في التقديم أو مخالفة الحكم . { إن الله سميع } لأقوالكم . { عليم } بأفعالكم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

( 49 ) سورة الحجرات مدنية

وآياتها ثماني عشرة

وهي مدنية بإجماع من أهل التأويل{[1]}

كانت عادة العرب وهي إلى الآن الاشتراك في الآراء وأن يتكلم كل بما شاء ويفعل ما أحب ، فمشى بعض الناس ممن لم تتمرن نفسه مع النبي صلى الله عليه وسلم على بعض ذلك ، قال قتادة : فربما قال قوم : لو نزل كذا وكذا في معنى كذا وكذا وينبغي أن يكون كذا ، وأيضاً فإن قوماً ذبحوا ضحاياهم قبل النبي صلى الله عليه وسلم ، حكاه الحسن بن أبي الحسن ، وقوماً فعلوا في بعض حروبه وغزواته أشياء بآرائهم ، فنزلت هذه الآية ناهية عن جميع ذلك ، وحكى الثعلبي عن مسروق أنه قال : دخلت على عائشة في يوم الشك فقالت للجارية : اسقه عسلاً ، فقلت : إني صائم ، فقالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام هذا اليوم ، وفيه نزلت : { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } . وقال ابن زيد : معنى { لا تقدموا } لا تمشوا «بين يدي رسول الله » ، وكذلك بين يدي العلماء فإنهم ورثة الأنبياء . وتقول العرب : تقدمت في كذا وكذا وتقدمت فيه : إذا قلت فيه .

وقرأ الجمهور من القراء : «تُقدِموا » بضم التاء وكسر الدال . وقرأ ابن عباس والضحاك ويعقوب بفتح التاء والدال على معنى : لا تتقدموا ، وعلى هذا يجيء تأويل ابن زيد في المشي . والمعنى على ضم التاء { بين يدي } قول الله ورسوله .

وروي أن سبب هذه الآية هو أن وفد بني تميم لما قدم قال أبو بكر الصديق : يا رسول الله لو أمرت الأقرع بن حابس . وقال عمر بن الخطاب : لا يا رسول الله ، بل أمر القعقاع بن معبد ، فقال له أبو بكر : ما أردت إلى خلافي ، ويروى إلا خلافي ، فقال عمر : ما أردت خلافك ، وارتفعت أصواتهما فنزلت الآية في ذلك{[10445]} . وذهب بعض قائلي هذه المقالة إلى أن قوله : { لا تقدموا } معناه : { لا تقدموا } ولاة ، فهو من تقديم الأمراء ، وعموم اللفظ أحسن ، أي اجعلوه مبدأً في الأقوال والأفعال . و : { سميع } معناه : لأقوالكم . { عليم } معناه : بأفعالكم ومقتضى أقوالكم .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[10445]:روى ذلك البخاري في صحيحه عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، ورواه أيضا عن أبي مليكة، قال: كاد الخيران أن يهلكا، أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل، قال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله:{يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} الآية، قال ابن الزبير: فما كان عمر يُسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، وذكر الواحدي هذا في "أسباب النزول" بسنده دون الجزء الأخير وهو قول ابن الزبير رضي الله عنهما، وأورد السيوطي الحديث في الدر المنثور وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن مردويه، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما. وقد ذكر ابن عطية هنا أن أبا بكر أشار بإمارة الأقرع بن حابس، وأن عمر أشار بإمارة القعقاع بن معبد، ولكن الرواية الثابتة في الدر المنثور، وفي أسباب النزول أن العكس هو الصحيح، وأن أبا بكر أشار بالقعقاع، وعمر أشار بالأقرع، وما في الطبري يوافق ما ذكره ابن عطية، ورواية البخاري لم تحدد.