تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحجرات ذكر أنها مدنية

بسم الله الرحمن الرحيم

الآية 1 قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تُقدّموا بين يدي الله ورسوله } قال بعضهم : إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما اختلفا في شيء ، بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فارتفعت أصواتهما ، فنزل قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله } إلى آخر ما ذكر من قوله : { لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ } .

وذُكر عن الحسن في قوله تعالى : { لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله } أي لا تذبحوا قبل ذبح النبيّ يوم النحر ؛ وذلك لأن ناسا من المسلمين ذبحوا قبل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر .

وقال قتادة : ذُكر لنا أن رجالا كانوا يقولون : لو نزل كذا وكذا ، أو صُنع كذا وكذا ، فنزلت هذه الآية ، وأمرهم ألا يسبقوا نبيه صلى الله عليه وسلم بقول ولا عمل حتى يُبيّن الله تعالى بيانه .

وأمثال ذلك قد قالوا ، والله أعلم .

وأصل ذلك عندنا من قوله : { يا أيها الذين آمنوا } الآية أي { يا أيها الذين آمنوا } اعلما أن لله الخلق والأمر لا تقدّموا أمرا ولا قولا ولا حُكما ولا نهيا سوى ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم وغير ما نهى عنه ، بل اتّبعوا أمره ونهيه ، وراقبوه على ما أنتم به ، وأقررتم ، بأن له الخلق والأمر ، فاحفظوا أمره ونهيه ، ولا تخالفوه ، ولا رسوله في شيء من الأمر والنهي .

فهذا يدخل فيه كل شيء وكل أمر من القول والفعل والقضاء والحكم والذبح وغير ذلك على ما ذكرنا من إيمانهم بأن له الخلق والأمر في الخلق ؛ إذ مثل هذا الخطاب لو كان لواحد خاص لكان حُكمه يُلزم الكل . وكذلك لو كان في أمر واحد كان يدخل في ذلك جميع الأمور . فكيف والخطاب بذلك عام مطلق ؟ فهو للكل وفي كل الأمور ، والله الموفّق .

وعلى ذلك ما رُوي عن مسروق أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فأمرت الجارية أن تسقيه ، فقال : إني صائم ، وهو اليوم الذي يُشكّ فيه ، فقالت له : قد نُهي عن هذا ، وقالت قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله } في صيام ولا غيره .

اعتبرت عائشة رضي الله عنها عموم الآية في النهي عن التقدم بين يدي الله ورسوله ومخالفة النبي صلى الله عليه وسلم في قول أو فعل .

وكذلك رُوي عن أبي عبيدة مُعمّر بن المُثنّى [ أنه ]{[19631]} قال في قوله : { لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله } أي لا تجعلوا الأمر والنهي دونه .

وقوله تعالى : { واتقوا الله إن الله سميع عليم } أي اتقوا مخالفة أمر الله ونهيه قولا وفعلا ، واتقوا مخالفة رسوله في ما يأمركم بأمر الله [ وينهاكم بنهيه ]{[19632]} وفي كل ما دعاكم إليه { إن الله سميع عليم } لأقوالكم { عليم } بأفعالكم ، ولا قوة إلا بالله .

ثم لم يفهموا مما ذُكر في قوله : { بين يدي الله ورسوله } /521-ب/ الجوارح ولا العدد في اليد كما فهموا من ذلك في الخلق . فما بالهم يفهمون ذلك من قوله : { خلقت بيديّ } ؟ [ ص : 75 ] أي خلقته على علم مني بما يكون منه من خلاف أو معصية ، لم أخلقه عن جهل بما يكون منه ، وهو ما ذكر في قوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } [ البقرة : 265 و . . . ] [ وقوله تعالى ]{[19633]} : { واعلموا أنكم مُلاقوه وبشّر المؤمنين } [ البقرة : 223 و . . . ] أي عن علم بأحوالهم وما يكون منهم ؛ أنشأهم لا عن جهل بذلك . فعلى ذلك هذا كما فهموا من قوله : { لا تقدّموا بين يدي الله ورسوله } أمر الله ونهيه ودون الجوارح والعدد ، والله الموفق .


[19631]:ساقطة من الأصل وم.
[19632]:في الأصل وم: ونهيه.
[19633]:ساقطة من الأصل وم.