تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحجرات

مدنية عددها ثماني عشرة آية كوفي

بسم الله الرحمن الرحيم

{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } نزلت في ثلاثة نفر ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى ناحية أرض تهامة ، وكانوا سبعة وعشرين رجلا منهم عروة بن أسماء السلمي ، والحكم بن كيسان المخزومي ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، وبشير الأنصاري ، واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري من النقباء ، وكتب صحيفة ودفعها إلى حرام بن ملحان ليقرأها على العدو ، فكان طريقهم على بني سليم وبينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم موادعة .

ودس المنافقون إلى بني عامر بن صعصعة ، وهم حرب على المسلمين ، إن أصحاب محمد مغرورون يختلفون من بين ثلاثة وأربعة فأرصدوهم وهم على بئر معونة ، وهو ماء لبني عامر فسار القوم ليلا ، وأضل أربعة منهم بعيرا لهم منهم بشير الأنصاري ، فأقاموا حتى أصبحوا ، وسار المسلمون حتى أتوا على بني عامر ، وهم حول الماء ، وعليهم بن الطفيل العامري ، فدعاهم المنذر بن عمرو إلى الإسلام ، وقرأ عليهم حرام الصحيفة ، فأبوا فاقتتلوا قتالا شديدا ، فلما عرفوا أنهم مقتولون ، قالوا : اللهم ، إنك تعلم أن رسولك أرسلنا ، وإنا لا نجد من يبلغ عنا رسولك غيرك ، فاقرئه منا السلام ، فقد رضينا بحسن قضائك لنا .

وحمل عامر بن الطفيل على حرام فطعنه فقتله ، وقتل بقيتهم غير المنذر بن عمرو ، فإنه كان دارعا مقنعا ، وعروة بن أسماء السلمي ، فقتل المنذر بعد ذلك ، فقالوا لعروة : لو شئنا لقتلناك ، فأنت آمن فإن شئت فارجع إلينا ، وإن شئت فاذهب إلى غيرنا ، فأنت آمن ، قال عروة : إني عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أضع يدي في يد مشرك ولا أتخذه وليا ، وجعل يحمل عليهم ، ويضربونه يعرض رماحهم ويناشدونه ، ويأبي عليهم فرموه بالنيل حتى قتلوه ، وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بحالهم ، فنعاهم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ، وقال : أرسل إخوانكم يقرأونكم السلام فاستغفروا لهم . ووجده الأربعة بعيرهم حين أصبحوا ، فساروا فلما دنوا من ماء بني عامر لقيتهم وليدة لبني عامر ، فقالت : أمن أصحاب محمد أنتم ؟ فقالوا : نعم ، رجاء أن تسلم ، فقالت : إن إخوانكم قد قتلوا حول الماء ، النجاء النجاء ، ألا ترون إلى النسور والعقبان قد تعلقن بلحومهم .

فقال بشير الأنصاري : دونكم بعيركم أنظر لكم ، فسار نحوهم فرأى إخوانهم مقتلين كأمثال البدن حول الماء ، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم ، وقال لهم : ما ترون ؟ قالوا : نرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر ، فقال بشير : لكني لا أرجع والله ، حتى أتغدى من غداء القوم ، فاقرءوا على النبي صلى الله عليه وسلم مني السلام ورحمة الله ، ثم أتاهم فحمل عليهم ، فناشدوه أن أرجع فأبى ، وحمل عليهم ، فقتل منهم ، ثم قتل بعد ، فرجع الثلاثة يسلون بغيرهم سلا ، فأتوا المدينة عند جنوح الليل ، فلقوا رجلين من بني سليم جائين من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : من أنتما ؟ قالا من بني عامر ، لأنهم كانوا قريبا من بني عامر بالمدينة ، ولا يشعرن بصنيع بني عامر .

فقالوا : هذين من الذين قتلوا إخواننا ، فقتلوهما وسلبوهما ، ثم دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم ليخبروه فوجدوا الخبر قد سبق إليه ، ثم قالوا : يا نبي الله ، غشينا المدينة عند المساء فلقينا رجلين من بني عامر فقتلناهم ، وهذا سلبهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" بل هما من بني سليم من حلفائي بئسما صنعتما ، هذان رجلان من بني سليم كانا جاءا في أمر الموادعة" ، فنزلت فيهم :{ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } يقول : لا تعجلوا بقتل أحد ، ولا بأمر حتى تستأمروا النبي صلى الله عليه وسلم فوعظهم في ذلك ، وأقبل قوم السلميين ، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن صاحبينا قتلا عندك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إن صاحبكم اعتزيا إلى عدونا فقتلا جميعا" ، وأخبرهم الخبر ، ولكننا سنعقل عن صاحبيكم لكل واحد منهما مائة من الإبل ، فجعل دية المشرك المعاهد ، كدية الحر المسلم . قال :{ واتقوا الله } في المعاصي { إن الله سميع } لمقالتكم { عليم } آية بخلقه .