البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحجرات

هذه السورة مدنية .

0

0

وكانت عادة العرب ، وهي إلى الآن الاشتراك في الآراء ، وأن يتكلم كل بما شاء ويفعل ما أحب ، فجرى من بعض من لم يتمرن على آداب الشريعة بعض ذلك .

قال قتادة : فربما قال قوم : ينبغي أن يكون كذا لو أنزل في كذا .

وقال الحسن : ذبح قوم ضحايا قبل النبي صلى الله عليه وسلم ، وفعل قوم في بعض غزواته شيئاً بآرائهم ، فنزلت هذه الآية ناهية عن جميع ذلك .

فقال ابن عباس : نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه .

وتقول العرب : تقدمت في كذا وكذا ، وقدمت فيه إذ قلت فيه .

وقرأ الجمهور : لا تقدموا ، فاحتمل أن يكون متعدياً ، وحذف مفعوله ليتناول كل ما يقع في النفس مما تقدم ، فلم يقصد لشيء معين ، بل النهي متعلق بنفس الفعل دون تعرض لمفعول معين ، كقولهم : فلان يعطي ويمنع .

واحتمل أن يكون لازماً بمعنى تقدم ، كما تقول : وجه بمعنى توجه ، ويكون المحذوف مما يوصل إليه بحرف ، أي لا تتقدّموا في شيء مّا من الأشياء ، أو بما يحبون .

ويعضد هذا الوجه قراءة ابن عباس وأبي حيوة والضحاك ويعقوب وابن مقسم .

لا تقدموا ، بفتح التاء والقاف والدال على اللزوم ، وحذفت التاء تخفيفاً ، إذ أصله لا تتقدموا .

وقرأ بعض المكيين : تقدموا بشد التاء ، أدغم تاء المضارعة في التاء بعدها ، كقراءة البزي .

وقرىء : لا تقدموا ، مضارع قدم ، بكسر الدال ، من القدوم ، أي لا تقدموا إلى أمر من أمور الدين قبل قدومها ، ولا تعجلوا عليها ، والمكان المسامت وجه الرجل قريباً منه .

قيل : فيه بين يدي المجلوس إليه توسعاً ، لما جاور الجهتين من اليمين واليسار ، وهي في قوله : { بين يدي الله } ، مجاز من مجاز التمثيل .

وفائدة تصوير الهجنة والشناعة فيها ؛ نهوا عنه من الإقدام على أمر دون الاهتداء على أمثلة الكتاب والسنة ؛ والمعنى : لا تقطعوا أمراً إلا بعدما يحكمان به ويأذنان فيه ، فتكونوا عاملين بالوحي المنزل ، أو مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا ، وعلى هذا مدار تفسير ابن عباس .

وقال مجاهد : لا تفتاتوا على الله شيئاً حتى يقصه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي هذا النهي توطئة لما يأتي بعد من نهيهم عن رفع أصواتهم .

ولما نهى أمر بالتقوى ، لأن من التقوى اجتناب المنهي عنه .

{ إن الله سميع } لأقوالكم ، { عليم } بنياتكم وأفعالكم .