الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

مدنية . وهي ألف وأربعمائة وخمسة وسبعون حرفاً ، وثلاثمائة وثلاثة وأربعون كلمة ، وثماني عشرة آية

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم العبدوي قرأه عليه سنة أربع وثمانين وثلاثمائة ، قال : أخبرنا أبو عمر ومحمّد بن جعفر بن محمّد العدل ، قال : حدّثنا إبراهيم بن شريك بن الفضل ، قال : حدّثنا أحمد بن عبدالله بن يونس ، قال : حدّثنا سلام بن سليم المدائني ، قال : حدّثنا هارون بن كثير ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبي أمامة عن أُبي بن كعب ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ( من قرأ الحُجرات أُعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من أطاع الله ومَنْ عَصاه ) .

{ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } قرأ العامة ( تُقَدِّمُوا ) بضم ( التاء ) وكسر ( الدال ) من التقديم ، وقرأ الضحّاك ، ويعقوب بفتحهما من التقدّم . واختلف المفسِّرون في معنى الآية ، فروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عبّاس ، قال : لا تقولوا خلاف الكتاب والسنّة . عطية عنه : لا تتكلّموا بين يدي كلامه .

وأخبرنا عبد الله بن حامد ، قال : أخبرنا أبو الحسين عمر بن الحسن بن مالك الشيباني ، قال : حدّثنا أحمد بن الحسن بن سعيد بن عثمان الخزاز . قال : حدّثنا حسين بن محارق أبو جنادة ، عن عبد الله بن سلامة ، عن السبعي ، عن جابر بن عبد الله { لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال : في الذبح يوم الأضحى ، وإليه ذهب الحسن ، قال : لا تذبحوا قبل أن يذبح النبيّ صلى الله عليه وسلم وذلك أن ناساً من المسلمين ذبحوا قبل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يعيدوا الذبح .

وأخبرنا عبد الخالق ، قال : أخبرنا ابن حيي قال : حدّثنا أبو بكر بن أبي العوام الرياحي ، قال : حدّثنا أبي . قال : حدّثنا النعمان بن عبد السّلم التيمي ، عن زفر بن الهذيل ، عن يحيى بن عبد الله التيمي عن حبّال بن رفيدة ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنه في قوله : { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } قالت : لا تصوموا قبل أن يصوم نبيّكم .

وروي عن مسروق أيضاً ، قال : دخلت على عائشة في اليوم الذي جئت فيه ، فقالت للجارية : اسقيه عسلاً ، فقلت : إنّي صائم . فقالت : قد نهى الله تعالى عن صوم هذا اليوم ، وفيه نزلت { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } وأخبرنا ابن منجويه ، قال : حدّثنا عمر بن الخطّاب . قال : حدّثنا عبدالله بن الفضل . قال : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم . قال : حدّثني هشام بن يوسف ، عن ابن جريح ، قال : أخبرني ابن أبي مليكة أنّ عبدالله بن الزبير أخبرهم ، قال : قدم رَكب من بني تميم على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : أمّر القعقاع بن معبد زرارة ، وقال عمر : بل أمّر الأقرع بن حابس ، فقال أبوبكر : ما أردت إلاّ خلافي ، وقال عمر : ما أردت خلافك ، فتماريا حتّى ارتفعت أصواتهما ، فأنزل الله سبحانه : { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } . . . الآية .

وقال قتادة : نزلت في ناس كانوا يقولون : لو أنزل في كذا ، لوضع كذا . فكره الله ذلك وقدّم فيه . مجاهد : لا تفتاتوا على رسول الله بشيء حتّى يقضيه الله على لسانه .

الضحّاك : يعني في القتال وشرائع الدين يقول : لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله . حيان ، عن الكلبي لا تستبقوا رسول الله بقول ، ولا فعل حتّى يكون هو الذي يأمركم .

وبه قال السدّي ، وقال عطاء الخراساني : " نزلت في قصة بئر معونة ، وقيل في الثلاثة الذين نجّوا الرجلين السَّلميين ، اللذين اعتزما إلى بني عامر وأخْذهم مالهما وكانا من أهل العهد ، فلمّا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق الخبر إليه ، فقال : " بئس ما صنعتم ، هما من أهل ميثاقي وهذا الذي معكم من نسوتي " ، قالا : يا رسول الله إنّهما زعما أنّهما من بني عامر ، فقلنا : رجلان ممّن قتل إخواننا .

فقلنا : هما لذلك . وأتاه السَّلميون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا قود لهما لأنّهما اعتزما إلى عدوّنا " . ولكنّه أيدهما ، فوادَّهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله سبحانه في ذلك : { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } " حين قتلوا الرجلين ، وهذه رواية ماذان عن ابن عبّاس .

وقال ابن زيد : لا تقطعوا أمراً دون رسول الله ، وقيل : لا تمشوا بين يدي رسول الله ، وكذلك بين أيدي العلماء فإنّهم ورثة الأنبياء .

ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو الحسن الخبازي ، قال : حدّثنا أبو القاسم موسى بن محمّد الدينوري بها ، قال : حدّثنا أحمد بن يحيى ، قال : حدّثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدّثنا رجل بمكّة ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، " عن أبي الدرداء ، قال : رآني النبيّ صلى الله عليه وسلم أمشي أمام أبي بكر ، فقال : " تمشي أمام من هو خير منك في الدّنيا والآخرة ، ما طلعت الشمس ، ولا غربت على أحد بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم والمرسلين خيراً وأفضل من أبي بكر " .

وقيل : إنّها نزلت في قوم كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سُئل الرسول عن شيء ، خاضوا فيه ، وتقدّموا بالقول ، والفتوى ، فنهوا عن ذلك ، وزجروا عن أن يقول أحد في شيء من دين الله سبحانه ، قبل أن يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل : لا تطلبوا منزلة وراء منزلته . قال الأخفش : تقول العرب : فلان تقدّم بين يدي أبيه ، وأُمّه ، ويتقدّم إذا استبدّ بالأمر دونهما . { وَاتَّقُواْ اللَّهَ } في تضييع حقّه ، ومخالفة أمره . { إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ } لأقوالكم { عَلِيمٌ } بأفعالكم ، وأحوالكم .