فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحجرات

هي ثماني عشرة آية ، وهي مدنية . قال القرطبي : بالإجماع . وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس وابن الزبير أنها نزلت بالمدينة .

قوله : { ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ } قرأ الجمهور { تُقَدِّمُوا } بضم المثناة الفوقية وتشديد الدال مكسورة ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه متعدّ وحذف مفعوله لقصد التعميم ، أو ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل كقولهم هو يعطي ويمنع . والثاني : أنه لازم نحو وجه وتوجه ، ويعضدّه قراءة ابن عباس والضحاك ويعقوب ( تقدموا ) بفتح التاء والقاف والدال . قال الواحدي : قدم هاهنا بمعنى تقدّم ، وهو لازم . قال أبو عبيدة : العرب تقول لا تقدّم بين يدي الإمام وبين يدي الأب : أي لا تعجل بالأمر دونه والنهي لأن المعنى : لا تقدّموا قبل أمرهما ونهيهما ، وبين يدي الإمام عبارة عن الإمام لا ما بين يدي الإنسان ، ومعنى الآية : لا تقطعوا أمراً دون الله ورسوله ، ولا تعجلوا به . وقيل : المراد معنى بين يدي فلان : بحضرته ؛ لأن ما يحضره الإنسان ، فهو بين يديه { واتقوا الله } في كلّ أموركم ، ويدخل تحتها الترك للتقدّم بين يدي الله ورسوله دخولاً أوّلياً . ثم علل ما أمر به من التقوى بقوله : { إِنَّ الله سَمِيعٌ } لكلّ مسموع { عَلِيمٌ } بكل معلوم .

/خ8