تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا} (33)

يقول تعالى ناهيًا عن قتل النفس بغير حق شرعي ، كما ثبت في الصحيحين ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والزاني المحصن ، والتارك لدينه المفارق للجماعة " {[17474]} .

وفي السنن : " لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مسلم{[17475]} " .

وقوله : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } أي : سلطة على القاتل ، فإنه بالخيار فيه إن شاء قتله قَودًا ، وإن شاء عفا عنه على الدية ، وإن شاء عفا عنه مجانًا ، كما ثبتت السنة بذلك . وقد أخذ الإمام الحبر ابن عباس من عموم هذه الآية الكريمة ولاية معاوية السلطنة ، وأنه سيملك ؛ لأنه كان ولي عثمان ، وقد قتل عثمان مظلومًا ، رضي الله عنه ، وكان معاوية يطالب عليًا ، رضي الله عنه ، أن يسلمه قتلته حتى يقتص منهم ؛ لأنه أموي ، وكان علي ، رضي الله عنه ، يستمهله في الأمر{[17476]} حتى يتمكن ويفعل ذلك ، ويطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام فيأبى{[17477]} معاوية ذلك حتى يسلمه القتلة ، وأبى أن يبايع عليًا هو وأهل الشام ، ثم مع المطاولة تمكن معاوية وصار الأمر إليه كما تفاءل{[17478]} ابن عباس واستنبط من هذه الآية الكريمة . وهذا من الأمر العجب وقد روى ذلك الطبراني في معجمه حيث قال :

حدثنا يحيى بن عبد الباقي ، حدثنا أبو عمير بن النحاس ، حدثنا ضَمْرَةُ بن ربيعة ، عن ابن شوذب ، عن مطر الوراق ، عن زَهْدَم الجَرْمي قال : كنا في سمر ابن عباس فقال : إني محدثكم حديثا ليس بسر ولا علانية ؛ إنه لما كان من أمر هذا الرجل ما كان - يعني عثمان - قلت لعلي : اعتزل فلو كنت في جحر طلبت حتى تستخرج ، فعصاني ، وايم الله ليتأمرن عليكم معاوية ، وذلك أن الله تعالى يقول : { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ } الآية{[17479]} وليحملنكم{[17480]} قريش على سنة فارس والروم وليقيمن عليكم النصارى واليهود والمجوس ، فمن أخذ منكم يومئذ بما يُعْرَف نجا ، ومن ترك وأنتم تاركون ، كنتم كقرن من القرون ، هلك فيمن هلك{[17481]} .

وقوله [ تعالى ]{[17482]} { فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ } قالوا : معناه : فلا يسرف الولي في قتل القاتل بأن يمثل به أو يقتص من غير القاتل .

وقوله : { إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } أي أن الولي منصور على القاتل شرعًا ، وغالبًا قدرًا .


[17474]:صحيح البخاري برقم (6878) وصحيح مسلم برقم (1676) من حديث ابن مسعود، رضي الله عنه.
[17475]:في أ: "المسلم".
[17476]:في ت: "الأمور".
[17477]:في ف: "فأبى".
[17478]:في ت، ف، أ: "قال".
[17479]:في ت، ف، أ: (إنه كان منصورا) "
[17480]:في ت: "يتحملنكم".
[17481]:المعجم الكبير (10/320) وقال الهيثمي في المجمع (7/235): "وفيه من لم أعرفهم".
[17482]:زيادة من ت.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا} (33)

{ ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق } إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان : وزنا بعد إحصان ، وقتل مؤمن معصوم عمدا . { ومن قُتل مظلوما } غير مستوجب للقتل . { فقد جعلنا لوليّه } للذي يلي أمره بعد وفاته وهو الوارث . { سلطانا } تسلطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه ، أو بالقصاص على القاتل فإن قوله تعالى { مظلوما } بدل على أن القتل عمدا عدوان فإن الخطأ لا يسمى ظلما . { فلا يُسرف } أي القاتل . { في القتل } بأن يقتل من لا يستحق قتله ، فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة ، أو قتل غير القاتل ويؤيد الأول قراءة أبي " فلا تسرفوا " . وقرأ حمزة والكسائي " فلا تسرف " على خطاب أحدهما . { إنه كان منصورا } علة النهي على الاستئناف والضمير إما للمقتول فإنه منصور في الدنيا بثبوت القصاص بقتله وفي الآخرة بالثواب ، وإما لوليه فإن الله تعالى نصره حيث أوجب القصاص له وأمر الولاة بمعونته ، وإما للذي يقتله الولي إسرافا بإيجاب القصاص أو التعزيز والوزر على المسرف .