السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا} (33)

ثم نهى سبحانه وتعالى عن القتل مطلقاً عن التقييد بالأولاد بغير حق بقوله تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله } أي : بالإسلام والعهد { إلا بالحق } وهو المبيح للقتل ، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ؛ رجل كفر بالله بعد إيمانه أو زنى بعد إحصانه أو قتل نفساً بغير حق » . ومثل انتقال المسلم من دين الإسلام إلى دين الكفر انتقال كافر من دين إلى دين آخر سواء كان ذلك الدين يقرّ عليه أم لا ، ومن ذلك قوله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } [ التوبة ، 29 ] وقوله تعالى : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا } [ المائدة ، 33 ] . واختلف الفقهاء في أشياء غير ذلك منها أنّ تارك الصلاة كسلاً هل يقتل فعند الشافعيّ يقتل بشروط معلومة ، وعند أبي حنيفة لا يقتل التارك كالزاني . ومنها أنّ عمل اللواط هل يوجب القتل فعند الشافعيّ يوجب قتل الفاعل كالزاني ، وعند أبي حنيفة لا يوجبه . ومنها أنّ الساحر إذا قال قتلت فلاناً بسحري عمداً هل يوجب القتل فعند الشافعيّ يوجبه وعند أبي حنيفة لا يوجبه . ومنها أنّ القتل بالمثقل هل يوجب القصاص فعند الشافعيّ يوجب وعند أبي حنيفة لا يوجب . ومنها الامتناع من أداء الزكاة هل يوجب القتل اختلفوا فيه في زمان أبي بكر رضي الله عنه . ومنها أنّ إتيان البهيمة هل يوجب القتل فعند أكثر الفقهاء لا يوجب وعند قوم يوجبه ولكل ممن ذكر أدلة يستدل بها رضي الله تعالى عنهم أجمعين .

ثم قال تعالى : { ومن قتل مظلوماً } أي : بأي : ظلم كان من غير أن يرتكب ما يبيح قتله { فقد جعلنا لوليه } أي : سواء كان قريباً أم بعيداً { سلطاناً } أي : أمراً متسلطاً به . وقوله تعالى : { فلا يسرف في القتل } قرأ حمزة والكسائيّ بالتاء على الخطاب أي : أيها الوليّ والباقون بالياء على الغيبة أي : الوليّ وفسر الإسراف بوجوه الأول : أن يقتل القاتل وغير القاتل وذلك أنّ أولياء المقتول كانوا إذا قتل واحد من قبيلة شريفة قتلوا خلقاً من القبيلة الدنيئة فنهى الله تعالى عنه وحكم بقتل القاتل وحده . الثاني : أنّ الإسراف هو أن لا يرضى بقتل القاتل فإنّ الجاهلية كانوا يقصدون أشرف القبائل ثم يقتلون منهم قوماً معينين ويتركون القاتل . الثالث : أنّ الإسراف هو أن لا يكتفي بقتل القاتل بل يقتله ثم يمثل به ويقطع أعضاءه ، قال القفال : ولا يبعد حمله على الكل لأنّ حمله على هذه المعاني مشترك في كونها إسرافاً . واختلف في رجوع الهاء إلى ماذا في قوله تعالى : { إنه كان منصوراً } فقال مجاهد : راجعة إلى المقتول في قوله تعالى : { ومن قتل مظلوماً } أي : أنّ المقتول منصور في الدنيا بإيجاب القود على قاتله ، وفي الآخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله . وقال قتادة : راجعة لوليّ المقتول ، أي : أنه منصور على القاتل باستيفاء القصاص أو الدية فليكتف بهذا القدر ولا يطمع في الزيادة ، وقيل راجعة إلى القاتل الظالم أي : أن القاتل يكتفي منه باستيفاء القصاص ولا يطلب منه زيادة لأنه منصور من عند الله تعالى في تحريم طلب الزيادة منه أو أنه إذا عوقب في الدنيا بأزيد مما فعل نصر في الآخرة . وقيل راجعة إلى الدم وقيل إلى الحق .