الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا} (33)

قوله : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } [ 33 ] إلى قوله : { كان مسئولا } [ 34 ] .

أي : لا تقتلوا نفسا قد حرم الله [ عز وجل{[40901]} ] قتلها . " إلا بالحق " /أي : إلا أن تكفر{[40902]} بعد إسلام ، أو تزنى بعد إحصان ، أو قودا بنفس .

وقوله : { فقد جعلنا لوليه سلطانا } [ 33 ] .

أي : جعلنا له نصرا وحجة على أخذ الثأر ممن قتل وليه فإن{[40903]} شاء عفا وإن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية . فإذا عفا بعض الورثة لم يقتل القاتل . والمرأة في ذلك والرجل سواء إذا كانا وارثين ، هذا قول الشعبي{[40904]} وعطاء وطاووس{[40905]} والنخعي والثوري{[40906]} والشافعي وابن حنبل . فإن كان في الورثة صغيرا استوني بالقتل حتى يبلغ ، فإن عفا لم يقتل وإن لم يعف قتل ، وهو قول عمر بن عبد العزيز ، وابن أبي ليلى{[40907]} . وابن شبرمة{[40908]} . والثوري وأحمد وإسحاق{[40909]} .

وقال الحسن البصري{[40910]} وقتادة : لا عفو للنساء وإن كن وارثان{[40911]} .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المرأة اختلاف ، وروي عنه أنه قال : لا عفو للزوج ، وعنه : لا عفو للمرأة في الدم{[40912]} .

وقال الليث وربيعة{[40913]} والأوزاعي{[40914]} ليس للنساء عفو في دم ولا قسامة .

وقال مالك إذا كان ورثة المقتول بنين وبنات فعفت{[40915]} إحدى{[40916]} البنات لم يجز عفوها ، فإن عفا أحد البنين جاز العفو وأخذت الدية ويرثها الورثة على قدر موارثهم{[40917]} من الميت ، ويقضي عن{[40918]} الميت من الدية دين إن كان عليه{[40919]} .

وقوله { وليه } يحتمل واحدا وجماعة ، كما قال : { إن الإنسان لفي خسر{[40920]} } .

ومعنى : { ومن قتل مظلوما } [ 33 ] أي : من قتل على غير المعاني المتقدم ذكرها . وقال الشافعي : إذا عفا الولي استحق أخذ الدية .

ثم قال تعالى : { فلا يسرف في القتل } [ 33 ] .

أي : لا يقتل الولي غير قاتل وليه . لأن أهل الجاهلية كانوا يفعلون ذلك : يقتل الرجل الرجل فيقتل أولياء المقتول أشرف من القاتل ويتركون القاتل ، فنهى الله [ عز وجل{[40921]} ] عند ذلك بقوله : { فلا يسرف في القتل } [ 33 ] أي لا يسرف الولي .

ومن قرأ بالتاء{[40922]} ، جعله مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم والأئمة بعده . وقيل هو مخاطبة للقاتل ألا يقتل غيره فيسرف في ذلك فيناله القتل .

وقيل : معنى { فلا يسرف في القتل } لا يمثل ولي المقتول بالقاتل ، بل يقتله كما قتل وليه ، قاله قتادة{[40923]} .

وقيل : معناه لا يقتل اثنان بواحد{[40924]} .

والهاء في " أنه " {[40925]} تعود على المقتول ، فتعود الهاء على " من " قاله مجاهد{[40926]} . فيكون المعنى : إن المقتول كان منصورا بوليه .

وقال قتادة : الهاء للولي . أي : [ بأن الولي{[40927]} ] كان منصورا{[40928]} .

وقيل : الهاء تعود على الدم . أي : [ إن{[40929]} ] دم المقتول كان منصورا على القاتل{[40930]} .

وقال الفراء : الهاء تعود على القتل أي القتل كان منصورا{[40931]} .

وقال أبو عبيدة الهاء للقاتل [ أي{[40932]} ] : إن القاتل كان منصورا إذا قيد منه في الدنيا وسلم من عذاب الآخرة بقتله{[40933]} .


[40901]:ساقط من ق.
[40902]:ط: يكفر.
[40903]:ق وإن.
[40904]:ق: الشافعي.
[40905]:هو طاووس بن كيسان الخولاني الهمذاني بالولاء، أبو عبد الرحمن من كبار التابعين تفقها في الدين ورواية للحديث وجرأة على وعظ الخلفاء أصله من الفرس وولد باليمن سنة 33 هـ، وتوفي حاجا بالمزدلفة أو منى سنة 106 هـ. انظر: ترجمته في حلية الأولياء 4/3، ووفيات الأعيان 2/509، وصفة الصفوة 2/284 وتذكرة الحفاظ 1/90، وتهذيب التهذيب 5/8، والأعلام 3/224.
[40906]:الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله أمير المؤمنين في الحديث. ولد بالكوفة سنة 97هـ، ونشأ بها وسكن المدينة ومكة وتوفي بالبصرة سنة 161 هـ، وله مجموعة من المؤلفات. انظر: ترجمته في حلية الأولياء 6/356 وتاريخ بغداد 9/151، ووفيات الأعيان 2/386 وتذكرة الحفاظ 1/203، والأعلام 3/105.
[40907]:هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيار (وقيل داود) ابن بلال الأنصاري الكوفي. قاض فقيه من أصحاب الرأي. ولد سنة 74 هـ وتوفي بالكوفة سنة 148 هـ، انظر: ترجمته في وفيات الأعيان 4/179، وميزان الاعتدال 3/613 وتهذيب التهذيب 9/301 والأعلام 6/189.
[40908]:هو أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة من ولد المنذر بن ضرار بن عمرو، كان قاضيا لأبي جعفر المنصور على سواد الكوفة، وكان شاعرا جوادا، انظر: الحيوان 3/492، والتبيان والتبيين 1/98 والمعارف 470.
[40909]:انظر: المحلى 7/478 والمحرر في الفقه 2/131.
[40910]:ق "والبصري".
[40911]:وهو قول ابن المسيب والحكم أيضا انظر: أحكام الجصاص 3/201، والمحلى 7/478.
[40912]:انظر: قوله في المحلى 7/478.
[40913]:هو ربيعة بن فروخ التيمي بالولاء المدني، أبو عثمان إمام حافظ فقيه مجتهد كان بصيرا بالرأي ولقب (ربيعة الرأي) وكان صاحب الفتوى بالمدينة وبه تفقه مالك توفي بالهاشمية من أرض الأنبار سنة 136 هـ، انظر: ترجمته في تاريخ بغداد 8/420، وصفة الصفوة 2/148 وميزان الاعتدال 1/136 وتذكرة الحفاظ 1/157 وتهذيب التهذيب 3/258 والأعلام 3/17.
[40914]:هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، إمام الديار الشامية في الفقه والزهد. وأحد الكتاب المترسلين، ولد في بعلبك سنة 88 هـ ونشأ في البقاع، وسكن بيروت وتوفي بها سنة 157 هـ، وعرض عليه القضاء فامتنع. انظر: ترجمته ومؤلفاته في الفهرست 1/127 وحلية الأولياء 6/135، والمعارف 217، وتكرة الحفاظ 1/178 والأعلام 1/178.
[40915]:ط: "فعفا".
[40916]:ط: أحد.
[40917]:ط: مواريثهم.
[40918]:ق: على.
[40919]:انظر: أحكام الجصاص 3/201 والمحلى 7/478 وأحكام ابن العربي 3/1207.
[40920]:العصر: 2.
[40921]:ساقط من ق.
[40922]:ق: "بالياء" وهو خطأ. والقراءة بالتاء لحمزة والكسائي وخلف وابن عامر ورويت عن حديقة بم اليمان. انظر: معاني الفراء 2/123، وجامع البيان 15/81 والسبعة 380، والحجة 402، والكشف 2/46 واليسير 140، والجامع 10/166 والنشر 2/307، وتحبير التيسير 135
[40923]:وهو قول طلق بن حبيب أيضا، انظر: جامع البيان 15/82-83 وأحكام ابن العربي 3/1209.
[40924]:وهو قول ابن جبير ومجاهد، انظر: جامع البيان 15/82 وأحكام ابن العربي 15/82 وأحكام ابن العربي 3/1209 هـ والدرة /283.
[40925]:ق: له.
[40926]:انظر: قوله في معاني الفراء 2/123 وجامع البيان 15/83، وإعراب النحاس 2/423، وأحكام الجصاص 3/201، والمشكل 2/30 والدر 5/284.
[40927]:ساقط من ط.
[40928]:انظر: قوله في معاني الفراء 2/123 وجامع البيان 15/83، وإعراب النحاس 2/423 وفيه "وهذا أولاها عند أهل النظر لأنه أقرب إليه"، وأحكام الجصاص 3/201، والمشكل 2/30.
[40929]:ساقط من ط.
[40930]:انظر: هذا القول في معاني الفراء 2/123، وجامع البيان 15/83 والمشكل 2/30.
[40931]:انظر: قوله في معاني الفراء 2/123، وإعراب النحاس 2/423 والمشكل 2/830.
[40932]:ساقط من ط.
[40933]:انظر: قوله في إعراب النحاس 2/423 ونسبه لأبي عبيد وقال: وهذا أبعدها وأشدها تعسفا، والمشكل 2/30.