فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا} (33)

{ وَلاَ تَقْتُلُوا النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق } . والمراد بالتي حرّم الله : التي جعلها معصومة بعصمة الدين أو عصمة العهد . والمراد بالحق الذي استثناه : هو ما يباح به قتل الأنفس المعصومة في الأصل ، وذلك كالردّة ، والزنا من المحصن ، وكالقصاص من القاتل عمداً عدواناً ، وما يلتحق بذلك . والاستثناء مفرّغ ، أي : لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلاّ بسبب متلبس بالحق ، أو إلاّ متلبسين بالحق ، وقد تقدّم الكلام في هذا في الأنعام . ثم بين حكم بعض المقتولين بغير حق فقال : { وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا } أي : لا بسبب من الأسباب المسوّغة لقتله شرعاً { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيّهِ سلطانا } أي : لمن يلي أمره من ورثته إن كانوا موجودين ، أو ممن له سلطان إن لم يكونوا موجودين ، والسلطان : التسلط على القاتل ، إن شاء قتل ، وإن شاء عفا ، وإن شاء أخذ الدية . ثم لما بيّن إباحة القصاص ، لمن هو مستحق لدم المقتول ، أو ما هو عوض عن القصاص نهاه عن مجاوزة الحدّ فقال : { فَلاَ يُسْرِف في القتل } أي : لا يجاوز ما أباحه الله له ، فيقتل بالواحد اثنين أو جماعة ، أو يمثل بالقاتل أو يعذبه . قرأ الجمهور { لا يسرف } بالياء التحتية ، أي : الولي ، وقرأ حمزة والكسائي ( تسرف ) بالتاء الفوقية ، وهو خطاب للقاتل الأوّل ، ونهي له عن القتل أي : فلا تسرف أيها القاتل بالقتل فإن عليك القصاص مع ما عليك من عقوبة الله وسخطه ولعنته . وقال ابن جرير : الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وللأئمة من بعده ، أي : لا تقتل يا محمد غير القاتل ، ولا يفعل ذلك الأئمة بعدك . وفي قراءة أبي : " ولا تسرفوا " ، ثم علل النهي عن السرف فقال : { إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } أي : مؤيداً معاناً ، يعني : الولي ، فإن الله سبحانه قد نصره بإثبات القصاص له بما أبرزه من الحجج ، وأوضحه من الأدلة ، وأمر أهل الولايات بمعونته والقيام بحقه حتى يستوفيه ، ويجوز أن يكون الضمير راجعاً إلى المقتول ، أي : إن الله نصره بوليّه ، قيل : وهذه الآية من أوّل ما نزل من القرآن في شأن القتل لأنها مكية .

/خ33