فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَلَا تَقۡتُلُواْ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا} (33)

{ إِلاَّ بالحق } إلا بإحدى ثلاث : إلا بأن تكفر ، أو تقتل مؤمناً عمداً ، أو تزني بعد إحصان . { مَظْلُومًا } غير راكب واحدة منهنّ { لِوَلِيّهِ } الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه ، فإن لم يكن له ولي فالسلطان وليه { سلطانا } تسلطا على القاتل في الاقتصاص منه . أو حجة يثب بها عليه { فَلاَ يُسْرِف } الضمير للولي . أي : فلا يقتل غير القاتل ، ولا اثنين والقاتل واحد ، كعادة الجاهلية : كان إذا قتل منهم واحد قتلوا به جماعة ، حتى قال مهلهل حين قتل بجير بن الحارث بن عباد : بؤبشسع نعل كليب وقال :

كُلُّ قَتِيلٍ فِي كُلَيْبٍ غُرَّهْ *** حَتَّى يَنَالَ الْقَتْلُ آلَ مُرَّهْ

وكانوا يقتلون غير القاتل إذا لم يكن بواء . وقيل : الإسراف المثلة . وقرأ أبو مسلم صاحب الدولة : «فلا يسرف » ، بالرفع على أنه خبر في معنى الأمر . وفيه مبالغة ليست في الأمر . وعن مجاهد : أنّ الضمير للقاتل الأوّل . وقرىء : «فلا تسرف » على خطاب الولي أو قاتل المظلوم . وفي قراءة أبيّ «فلا تسرفوا » ردّه على : ولا تقتلوا { إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } الضمير إمّا للولي ، يعني حسبه أنّ الله قد نصره بأن أوجب له القصاص فلا يستزد على ذلك ، وبأنّ الله قد نصره بمعونة السلطان وبإظهار المؤمنين على استيفاء الحق ، فلا يبغ ما وراء حقه . وإمّا للمظلوم ؛ لأنّ الله ناصره وحيث أوجب القصاص بقتله ، وينصره في الآخرة بالثواب . وإما الذي يقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله ، فإنه منصور بإيجاب القصاص على المسرف .