ولما نهى عن قتل الأولاد وعن إيجادهم من الطريق غير المشروعة نهى عن قتل النفس فانتقل من الخاص إلى العام ، والظاهر أن هذه كلها منهيات مستقلة ليست مندرجة تحت قوله : { وقضى ربك } كاندراج { أن لا تعبدوا } وانتصب { مظلوماً } على الحال من الضمير المستكن في { قتل } والمعنى أنه قتل بغير حق ، { فقد جعلنا لوليه } وهو الطالب بدمه شرعاً ، وعند أبي حنيفة وأصحابه اندراج من يرث من الرجال والنساء والصبيان في الولي على قدر مواريثهم ، لأن الولي عندهم هو الوارث هنا .
وقال مالك : ليس للنساء شيء من القصاص ، وإنما القصاص للرجال .
وعن ابن المسيب والحسن وقتادة والحكم : ليس إلى النساء شيء من العفو والدم وللسلطان التسلط على القاتل في الاقتصاص منه أو حجة يثبت بها عليه قاله الزمخشري .
وقال ابن عطية : والسلطان الحجة والملك الذي جعل إليه من التخيير في قبول الدم أو العفو قاله ابن عباس والضحاك .
وقال قتادة : السلطان القود وفي كتاب التحرير السلطان القوة والولاية .
وقال ابن عباس : البيِّنة في طلب القود .
وقال ابن زيد : الوالي أي والياً ينصفه في حقه ، والظاهر عود الضمير في { فلا يسرف } على الولي ، والإسراف المنهي عنه أن يقتل غير القاتل قاله ابن عباس والحسن ، أو يقتل اثنين بواحد قاله ابن جبير ، أو أشرف من الذي قتل قاله ابن زيد ، أو يمثل قاله قتادة ، أو يتولى القاتل دون السلطان ذكره الزجاج .
وقال أبو عبد الله الرازي : السلطنة مجملة يفسرها { كتب عليكم القصاص } الآية ويدل عليه أنه مخير بين القصاص والدية وقوله عليه السلام يوم الفتح : « من قتل قتيلاً فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية » فمعنى { فلا يسرف في القتل } لا يقدم على استيفاء القتل ، ويكتفي بأخذ الدية أو يميل إلى العفو ولفظة في محمولة على الباء أي فلا يصير مسرفاً بسبب إقدامه على القتل ، ويكون معناه الترغيب في العفو كما قال { وأن تعفوا أقرب للتقوى } انتهى ملخصاً .
ولو سلم أن { في } بمعنى الباء لم يكن صحيح المعنى ، لأن من قتل بحق قاتل موليه لا يصير مسرفاً بقتله ، وإنما الظاهر والله أعلم النهي عما كانت الجاهلية تفعله من قتل الجماعة بالواحد ، وقتل غير القاتل والمثلة ومكافأة الذي يقتل من قتله .
وقال مهلهل حين قتل بجير بن الحارث بن عباد : بؤ بشسع نعل كليب .
وأبعد من ذهب إلى أن الضمير في { فلا يسرف } ليس عائداً على الولي ، وإنما يعود على العامل الدال عليه ، ومن قتل أي { لا يسرف } في القتل تعدياً وظلماً فيقتل من ليس له قتله .
وقرأ الجمهور { فلا يسرف } بياء الغيبة .
وقرأ الأخوان وزيد بن عليّ وحذيفة وابن وثاب والأعمش ومجاهد بخلاف وجماعة ، وفي نسخة من تفسير ابن عطية وابن عامر وهو وهم بتاء الخطاب والظاهر أنه على خطاب الولي فالضمير له .
وقال الطبري : الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والأئمة من بعده أي فلا تقتلوا غير القاتل انتهى .
قال ابن عطية : وقرأ أبو مسلم السرّاج صاحب الدعوة العباسية .
وقال الزمخشري قرأ أبو مسلم صاحب الدولة .
وقال صاحب كتاب اللوامح أو مسلم العجلي مولى صاحب الدولة : { فلا يسرف } بضم الفاء على الخبر ، ومعناه النهي وقد يأتي الأمر والنهي بلفظ الخبر .
وقال ابن عطية في الاحتجاج بأبي مسلم في القراءة نظر ، وفي قراءة أبيّ فلا تسرفوا في القتل إن ولي المقتول كان منصوراً انتهى .
رده على ولا تقتلوا والأولى حمل قوله إن ولي المقتول على التفسير لا على القراءة لمخالفته السواد ، ولأن المستفيض عنه { إنه كان منصوراً } كقراءة الجماعة والضمير في { أنه } عائد على الولي لتناسق الضمائر ونصره إياه بأن أوجب له القصاص ، فلا يستزاد على ذلك أو نصره بمعونة السلطان وبإظهار المؤمنين على استيفاء الحق .
وقيل : يعود الضمير على المقتول نصره الله حيث أوجب القصاص بقتله في الدنيا ، ونصره بالثواب في الآخرة .
قال ابن عطية : وهو أرجح لأنه المظلوم ، ولفظة النصر تقارن الظلم كقوله عليه السلام : « ونصر المظلوم وإبرار القسم » وكقوله : « انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً » إلى كثير من الأمثلة .
وقال أبو عبيد : على القاتل لأنه إذا قتل في الدنيا وخلص بذلك من عذاب الآخرة فقد نصر ، وهذا ضعيف بعيد القصد .
وقال الزمخشري : وإنما يعني أن يكون الضمير في أنه الذي بقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله فإنه منصور بإيجاب القصاص على المسرف انتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.