يقول تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } أي : أخلصوا العمل لله ، وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم .
قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا الجراح ، حدثنا سلم {[25696]} بن قتيبة أبو قتيبة الشَّعِيري ، حدثنا سهيل {[25697]} بن أبي حزم ، حدثنا ثابت{[25698]} عن أنس بن مالك قال : قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم {[25699]} ، فمن قالها حتى{[25700]} يموت فقد {[25701]} استقام عليها .
وكذا رواه النسائي في تفسيره ، والبزار وابن جرير ، عن عمرو بن علي الفلاس ، عن سلم {[25702]} بن قتيبة ، به{[25703]} . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن الفلاس ، به . ثم قال ابن جرير :
حدثنا ابن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد {[25704]} ، عن سعيد{[25705]} بن نمران{[25706]} قال : قرأت{[25707]} عند أبي بكر الصديق هذه الآية : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } قال : هم الذين لم يشركوا بالله شيئا .
ثم روي من حديث الأسود بن هلال قال : قال أبو بكر ، رضي الله عنه : ما تقولون في هذه الآية : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } ؟ قال : فقالوا : { رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } من ذنب . فقال : لقد حملتموها على غير المحمل ، { قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } فلم يلتفتوا إلى إله غيره .
وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، وغير واحد{[25708]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو عبد الله الظهراني{[25709]} ، أخبرنا حفص بن عمر العدني ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة قال : سئل ابن عباس{[25710]} ، رضي الله عنهما : أي آية في كتاب الله أرخص ؟ قال قوله : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } على شهادة أن لا إله إلا الله .
وقال الزهري : تلا عمر هذه الآية على المنبر ، ثم قال : استقاموا - والله - لله بطاعته ، ولم يروغوا روغان الثعالب .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا } على أداء فرائضه . وكذا قال قتادة ، قال : وكان الحسن يقول : اللهم أنت ربنا ، فارزقنا الاستقامة .
وقال أبو العالية : { ثُمَّ اسْتَقَامُوا } أخلصوا له العمل والدين .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هُشَيْم ، حدثنا يعلى بن عطاء ، عن عبد الله بن سفيان الثقفي ، عن أبيه {[25711]} ؛ أن رجلا قال : يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال : " قل آمنت بالله ، ثم استقم " قلت : فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه .
ورواه النسائي من حديث شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، به{[25712]} .
ثم قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا إبراهيم بن سعد ، حدثني ابن شهاب ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز الغامدي ، عن سفيان{[25713]} بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله ، حدثني بأمر أعتصم به . قال : " قل ربي الله ، ثم استقم " قلت : يا رسول الله ما أكثر ما تخاف علي ؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف لسان نفسه ، ثم قال : " هذا " .
وهكذا {[25714]} رواه الترمذي وابن ماجه ، من حديث الزهري ، به{[25715]} . وقال الترمذي : حسن صحيح .
وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي ، من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك . قال : " قل آمنت بالله ، ثم استقم " وذكر تمام الحديث{[25716]} .
وقوله : { تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ } قال مجاهد ، والسدي ، وزيد بن أسلم ، وابنه : يعني عند الموت قائلين : { أَلا تَخَافُوا } قال مجاهد ، وعكرمة ، وزيد بن أسلم : أي مما تقدمون عليه من أمر الآخرة ، { وَلا تَحْزَنُوا } [ أي ] {[25717]} على ما خلفتموه من أمر الدنيا ، من ولد وأهل ، ومال أو دين ، فإنا نخلفكم فيه ، { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير .
وهذا كما في حديث البراء{[25718]} ، رضي الله عنه : " إن الملائكة تقول لروح المؤمن : اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه ، اخرجي إلى روح وريحان ، ورب غير غضبان " .
وقيل : إن الملائكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم . حكاه ابن جرير عن ابن عباس ، والسدي .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا عبد السلام بن مطهر ، حدثنا جعفر بن سليمان : سمعت ثابتا قرأ سورة " حم السجدة " {[25719]} حتى بلغ : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ } فوقف فقال : بلغنا أن العبد المؤمن حين يبعثه الله من قبره ، يتلقاه الملكان اللذان كانا معه في الدنيا ، فيقولان له : لا تخف ولا تحزن ، { وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } {[25720]} قال : فيؤمن الله خوفه ، ويقر عينه فما عظيمة يخشى الناس يوم القيامة إلا هي للمؤمن قرة عين ، لما هداه الله ، ولما كان يعمل له في الدنيا .
وقال زيد بن أسلم : يبشرونه عند موته ، وفي قبره ، وحين يبعث . رواه ابن أبي حاتم .
{ إن الذين قالوا ربنا الله } اعترافا بربوبيته وإقرارا بوحدانيته . { ثم استقاموا } في العمل و{ ثم } لتراخيه عن الإقرار في الرتبة من حيث إنه مبدأ الاستقامة ، أو لأنها عسر قلما تتبع الإقرار ، وما روي عن الخلفاء الراشدين في معنى الاستقامة من الثبات على الإيمان وإخلاص العمل وأداء الفرائض فجزئياتها . { تتنزل عليهم الملائكة } فيما يعن لهم بما يشرح صدورهم ويدفع عنهم الخوف والحزن ، أو الخروج من القبر . { ألا تخافوا } ما تقدمون عليه . { ولا تحزنوا } على ما خلفتم وأن مصدرية أو مخففة مقدرة بالباء أو مفسرة . { وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } في الدنيا على لسان الرسل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.