الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

{ ثُمَّ } لتراخي الاستقامة عن الإقرار في المرتبة . وفضلها عليه : لأنّ الاستقامة لها الشأن كله . ونحوه قوله تعالى : { إِنَّمَا المؤمنون الذين ءامَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ } [ الحجرات : 15 ] والمعنى : ثم ثبتوا على الإقرار ومقتضياته . وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : استقاموا فعلاً كما استقاموا قولاً . وعنه : أنه تلاها ثم قال : ما تقولون فيها ؟ قالوا : لم يذنبوا . قال حملتم الأمر على أشدّه . قالوا : فما تقول ؟ قال : لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان . وعن عمر رضي الله عنه : استقاموا على الطريقة لم يروغوا روغان الثعالب . وعن عثمان رضي الله عنه : أخلصوا العمل . وعن علي رضي الله عنه : أدّوا الفرائض . وقال سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه : قلت : يا رسول الله ، أخبرني بأمر أعتصم به . قال : " قل ربّي الله ، ثم استقم " قال فقلت : ما أخوف ما تخاف عليّ ؟ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه فقال : «هذا » { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة } عند الموت بالبشرى . وقيل : البشرى في ثلاثة مواطن : عند الموت ، وفي القبر ، وإذا قاموا من قبورهم { أَلاَّ تَخَافُواْ } أن بمعنى أي . أو مخففة من الثقيلة . وأصله : بأنه لا تخافوا ، والهاء ضمير الشأن . وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه : لا تخافوا ، أي : يقولون : لا تخافوا ؛ والخوف : غمّ يلحق لتوقع المكروه ، والحزن : غم يلحق لوقوعه من فوات نافع أو حصول ضارّ . والمعنى : أنّ الله كتب لكم الأمن من كل غمّ ، فلن تذوقوه أبداً . وقيل : لا تخافوا ما تقدمون عليه ، ولا تحزنوا على ما خلفتم .