بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

قوله تعالى : { إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا } يعني : قالوا ربنا الله ، فعرفوه ، واستقاموا على المعرفة . وقال القتبي : يعني : آمنوا ، ثم استقاموا على طاعة الله . وقال ابن عباس في رواية الكلبي : { ثُمَّ استقاموا } على ما افترض الله عليهم . وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية ، ثم قال : " أتدرون ما استقاموا عليه ؟ فقالوا : ما هو يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : «اسْتَقَامُوا ، وَلَمْ يُشْرِكُوا » . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : { ثُمَّ استقاموا } ولم يروغوا روغان الثعلب على طاعة الله " . فقال ابن عباس في رواية القتبي : { ثُمَّ استقاموا } . وعن أبي العالية أنه قال : { ثُمَّ استقاموا } أي : أخلصوا له الدين ، والعمل . ويقال : وحّدوا الله تعالى ، واستقاموا على طاعته ، ولزموا سنة نبيه . وقال بعض المتأخرين : معناه : ثم استقاموا أفعالاً ، كما استقاموا أقوالاً . وقد قيل أيضاً : { إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا } يعني : يقولون الله مانعنا ، ومعطينا ، وضارنا ، ونافعنا ، { ثُمَّ استقاموا } على ذلك القول ، ولا يرون النفع ، ولا يرجون من أحد دون الله تعالى ، ولا يخافون أحداً دون الله ، فذكر أعمالهم ، ثم ذكر ثوابهم .

فقال : { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة } قال الكلبي يعني : تتنزل عليهم الملائكة عند قبض أرواحهم ، ويبشرونهم ، ويقولون : { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } يعني : لا تخافوا ما أمامكم من العذاب . ولا تحزنوا على ما خلفكم من الدنيا . وقال مقاتل : { تتنزل عليهم الملائكة } يعني : تتنزل عليهم الحفظة من السماء ، يوم القيامة ، فتقول له : أتعرفني ؟ فيقول : لا . فيقول : أنا الذي كنت أكتب عملك ، وبشره بالجنة ، فذلك قوله : { وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } في الدنيا . وقال زيد بن أسلم البشرى : في ثلاث مواطن ، عند الموت ، وفي القبر ، وفي البعث . وقال بعض المتأخرين : هذه البشرى للخائف الحزين ، لا للآمن المستبشر . يعني : الذي كان خائفاً في الدنيا .