الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ } أخبرنا الحسين بن محمد الثقفي بقراءتي عليه ، حدثنا الفضل الكندي ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الزيدي العسكري ، حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا أبو قتيبة سلمة بن قتيبة ، حدثنا سهل بن أبي حزم عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ } قال : من مات عليها ، فهو ممّن استقام .

أخبرنا الحسين بن محمد الثقفي بقراءتي عليه ، حدثنا عبيد بن محمد بن شنبه ، حدثنا جعفر ابن الفربابي ، حدثنا محمد بن الحسن البلخي ، أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن سعيد بن عمران ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، { ثُمَّ اسْتَقَامُواْ } قال : لم يشركوا بالله شيئاً . أخبرنا ابن فنجويه الثقفي ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا يونس ، عن الزهري إنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال وهو يخطب النّاس على المنبر : { الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ } فقال : استقاموا على طريقة الله بطاعته ، ثمّ لم يروغوا روّغان الثعالب ، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : يعني أخلصوا العمل لله ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أدُّوا الفرائض . ابن عباس استقاموا على أداء فرائضه .

أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه ، حدثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك ، حدثنا محمد بن موسى الحلواني ، حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور ، حدثنا مسكين أبو فاطمة عن شهر بن حوشب ، قال : قال الحسن : وتلا هذه الآية { إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ } فقال : استقاموا على أمر الله تعالى ، فعملوا بطاعته ، واجتنبوا معصيته . مجاهد وعكرمة : استقاموا على شهادة أن لا إله إلاّ الله ، حتّى لحقوا به . قتادة وابن زيد : استقاموا على عبادة الله وطاعته ، ابن سيرين : لم يعوجّوا ، سفيان الثوري : عملوا على وفاق ما قالوا . مقاتل بن حيان : استقاموا على المعرفة ولم يرتدوا . مقاتل بن سليمان : استقاموا على إنّ الله ربّهم . ربيع : أعرضوا عما سوى الله تعالى . فضيل بن عياض : زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية . بعضهم : استقاموا إسراراً كما استقاموا إقرار ، وقيل : استقاموا فعلاً كما استقاموا قولاً . روى ثابت عن أنس إنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية : " أمتي وربّ الكعبة " .

أخبرنا الحسن بن محمد الثقفي ، حدثنا الفضل بن الفضل الكندي وأحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم السني ، قالا : حدثنا أبو خليفة الفضل بن حيان الجمحي ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز ، عن سفيان بن عبد الله الثقفي . قال : " قلت : يارسول الله أخبرني بأمر أعتصم به ، فقال : " قل ربّي اللّه ثمّ استقم " قال : قلت : ما أخوف ما تخاف عليّ ؟

فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه ، وقال : " هذا " " .

وروي إنّ وفداً أقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم القرآن ، ثمّ بكى ، فقالوا : أمن خوف الّذي بعثك تبكي ؟ قال : " نعم ، إنّي قد بعثت على طريق مثل حد السيف ، إن استقمت نجوت ، وإن زغت عنه هلكت " .

وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية ، قال : اللَّهم أنت ربّنا فارزقنا الاستقامة .

{ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ } عند الموت { أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ } قال قتادة : إذا قاموا من قبورهم . قال وكيع بن الجراح البسري : تكون في ثلاثة مواطن : عند الموت ، وفي القبر ، وفي البعث ، ألاّ يخافوا ولا يحزنوا . قال أبو العالية : لا تخافوا على صنيعكم ولا تحزنوا على مخلفكم . مجاهد : لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة ولا تحزنوا على ما خلفتم في دنيّاكم من أهل وولد ونشيء ، فإنّا نخلفكم في ذلك كله . السدي : لا تخافوا ما أمامكم ، ولا تحزنوا على ما بعدكم . عطاء بن رباح : لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم ، فإنّي أغفرها لكم .

وقال أهل اللسان في هذه الآية : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ } بالوفاء على ترك الجفاء { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ } بالرضا أن لا تخافوا من العناء ولا تحزنوا على الفناء ، وأبشروا بالبقاء مع الّذين كنتم توعدون من اللقاء ، لا تخافوا فلا خوف على أهل الاستقامة ، ولا تحزنوا فإن لكم أنواع الكرامة ، وابشروا بالجنّة الّتي هي دار السلامة . لا تخافوا فعلى دين الله استقمتم ، ولا تحزنوا فبحبل الله اعتصمتم ، وأبشروا بالجنّة وإن ارتبتم وأُحزنتم ، لا تحزنوا فطالما رهبتم ، ولا تحزنوا فقد نلتم ما طلبتم ، وأبشروا بالجنّة الّتي فيها رغبتم ، لا تخافوا فأنتم أهل الإيمان ، ولا تحزنوا فأنتم أهل الغفران ، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار الرضوان ، لا تخافوا فأنتم أهل الشهادة ، ولا تحزنوا فأنتم أهل السعادة ، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار الزيادة ، لا تخافوا فأنتم أهل النوال ، ولا تحزنوا فأنتم أهل الوصال ، وأبشروا بالجنّة الّتي هي دار الجلال ، لا تخافوا فقد أمنتم الثبور ولا تحزنوا فقد آن لكم الحبور وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار السرور ، لا تخافوا فسعيكم مشكور ولا تحزنوا فذنبكم مغفور ، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار النون ، لا تخافوا فطالما كنتم من الخائفين ، ولا تحزنوا فقد كنتم من العارفين ، وإبشروا بالجنّة الّتي عجز عنها وصف الواصفين ، لا تخافوا فلا خوف على أهل الإيمان ، ولا تحزنوا فلستم من أهل الحرمان ، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار الإيمان ، لا تخافوا فلستم من أهل الجحيم ، ولا تحزنوا فقد وصلتم إلى الربّ الرحيم ، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار النعيم ، لا تخافوا فقد زالت عنكم المخافة ، ولا تحزنوا فقد سلمتم من كلّ آفة ، وإبشروا بالجنّة الّتي هي دار الضيافة ، لا تحزنوا العزل عن الولاية ، ولا تحزنوا على ما قدمتم من الخيانة ، وابشروا بالجنّة الّتي هي دار الهداية ، لا تخافوا حلول العذاب ، ولا تحزنوا من هول الحساب وابشروا بالجنّة الّتي دار الثواب .

لا تخافوا فأنتم سالمون من العقاب ، ولا تحزنوا فأنتم واصلون إلى الثواب ، وابشروا بالجنّة فإنها نعم المآب . لا تخافوا فأنتم أهل الوفاء ولا تحزنوا على ما كسبتم من الجفاء وإبشروا بالجنّة فإنها دار الصفاء لا تخافوا فقد سلمتم من العطب ، ولا تحزنوا فقد نجوتم من النصب ، وإبشروا بالجنّة فإنّها دار الطرب .