تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (120)

ثم قال : { إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا } وهذه الحال دالة{[5608]} على شدة العداوة منهم للمؤمنين وهو أنه{[5609]} إذا أصاب المؤمنين خصب ، ونصر وتأييد ، وكثروا وعزّ أنصارهم ، ساء ذلك المنافقين ، وإن أصاب المسلمين سَنَة{[5610]} - أي : جَدْب - أو أُديل عليهم الأعداء ، لما لله في ذلك من الحكمة ، كما جرى يوم أُحُد ، فَرح المنافقون بذلك ، قال الله تعالى مخاطبا عباده المؤمنين : { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ]{[5611]} } يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكَيْدِ الفُجّار ، باستعمال الصبر والتقوى ، والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم ، فلا حول ولا قوة لهم إلا به ، وهو الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن . ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته ، ومن توكل عليه كفاه .


[5608]:في جـ، ر، أ، و: "وهذا الحال دال".
[5609]:في جـ، ر، أ، و: "أنهم".
[5610]:في أ، و: "المؤمنين سيئة إما".
[5611]:زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (120)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتّقُواْ لاَ يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

يعني بقوله تعالى ذكره : { إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } إنْ تَنالُوا أيها المؤمنون سرورا بظهوركم على عدوّكم ، وتتابع الناس في الدخول في دينكم ، وتصديق نبيكم ، ومعاونتكم على أعدائكم ، يسؤهم . وإن تنلكم مساءة بإخفاق سرية لكم ، أو بإصابة عدوّ لكم منكم ، أو اختلاف يكون بين جماعتكم يفرحوا بها . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإنْ تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها } ، فإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورا على عدوّهم ، غاظهم ذلك وساءهم ، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافا أو أصيب طرف من أطراف المسلمين سرّهم ذلك وأعجبوا به وابتهجوا به ، فهم كلما خرج منهم قرن أكذب الله أحدوثته وأوطأ محلته ، وأبطل حجته ، وأظهر عورته ، فذاك قضاء الله فيمن مضى منهم وفيمن بقي إلى يوم القيامة .

حُدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : { إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإنْ تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها } قال : هم المنافقون إذا رأوا من أهل الإسلام جماعة وظهورا على عدوّهم ، غاظهم ذلك غيظا شديدا وساءهم ، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافا ، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين ، سرّهم ذلك وأعجبوا به¹ قال الله عزّ وجلّ : { وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا لا يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا إنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ } قال : إذا رأوا من المؤمنين جماعة وألفة ساءهم ذلك ، وإذا رأوا منهم فرقة واختلافا فرحوا .

وأما قوله : { وَإنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا لا يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا } فإنه يعني بذلك جلّ ثناؤه : وإن تصبروا أيها المؤمنون على طاعة الله ، واتباع أمره فيما أمركم به ، واجتناب ما نهاكم عنه ، من اتخاذ بطانة لأنفسكم من هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم من دون المؤمنين ، وغير ذلك من سائر ما نهاكم ، وتتقوا ربكم ، فتخافوا التقدم بين يديه فيما ألزمكم ، وأوجب عليكم من حقه وحقّ رسوله ، لا يضرّكم كيدهم شيئا : أي كيد هؤلاء الذين وصف صفتهم . ويعني بكيدهم : غوائلهم التي يبتغونها للمسلمين ومكرهم بهم ليصدّوهم عن الهدى وسبيل الحقّ .

واختلف القراء في قراءة قوله : { لا يَضُرّكُمْ } فقرأ ذلك جماعة من أهل الحجاز وبعض البصريين : «لا يَضِرْكُمْ » مخففة بكسر الضاد من قول القائل : ضارني فلان فهو يضيرني ضَيْرا ، وقد حكي سماعا من العرب : ما ينفعني ولا يضورني . فلو كانت قرئت على هذه اللغة لقيل : لا يضركم كيدهم شيئا ، ولكني لا أعلم أحدا قرأ به ، وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة وعامة قراء أهل الكوفة : { لا يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئا } بضم الضاد وتشديد الراء من قول القائل : ضرّني فلان فهو يضرّني ضرّا .

وأما الرفع في قوله : { لا يَضُرّكُمْ } فمن وجهين : أحدهما على إتباع الراء في حركتها ، إذ كان الأصل فيها الجزم ، ولم يمكن جزمها لتشديدها أقرب حركات الحروف التي قبلها ، وذلك حركة الضاد ، وهي الضمة ، فألحقت بها حركة الراء لقربها منها ، كما قالوا : مُدّ يا هذا . والوجه الاَخر من وجهي الرفع في ذلك : أن تكون مرفوعة على صحة ، وتكون «لا » بمعنى «ليس » ، وتكون الفاء التي هي جواب الجزاء متروكة لعلم السامع بموضعها . وإذا كان ذلك معناه ، كان تأويل الكلام : وإن تصبروا وتتقوا فليس يضرّكم كيدهم شيئا ، ثم تركت الفاء من قوله : { لا يَضُرّكُمْ كَيْدُهُمْ } ووجهت «لا » إلى معنى «ليس » ، كما قال الشاعر :

فإنْ كانَ لا يُرْضِيكَ حتى تَرُدّنِي *** إلى قَطَرِيّ لا إخالُكَ رَاضِيا

ولو كانت الراء محركة إلى النصب والخفض كان جائزا ، كما قيل : مُدّ يا هذا ، ومُدّ .

وقوله : { إنّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } يقول جل ثناؤه : إن الله بما يعمل هؤلاء الكفار في عباده وبلاده من الفساد والصدّ عن سبيله والعداوة لأهل دينه وغير ذلك من معاصي الله ، محيط بجميعه ، حافظ له لا يعزب عنه شيء منه ، حتى يوفيهم جزاءهم على ذلك كله ويذيقهم عقوبته عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (120)

«الحسنة والسيئة » في هذه الآية لفظ عام في كل ما يحسن ويسوء ، وما ذكر المفسرون من الخصب والجدب واجتماع المؤمنين ودخول الفرقة بينهم وغير ذلك من الأقوال ، فإنما هي أمثلة وليس ذلك باختلاف وذكر تعالى «المس في الحسنة » ليبين أن بأدنى طروء الحسنة تقع المساءة بنفوس هؤلاء المبغضين ، ثم عادل ذلك بالسيئة بلفظ الإصابة وهي عبارة عن التمكن ، لأن الشيء المصيب لشيء فهو متمكن منه أو فيه ، فدل هذا المنزع البليغ على شدة العداوة ، إذ هو حقد لا يذهب عند الشدائد ، بل يفرحون بنزول الشدائد بالمؤمنين ، وهكذا هي عداوة الحسد في الأغلب ، ولا سيما في مثل هذا الأمر الجسيم الذي هو ملاك الدنيا والآخرة وقد قال الشاعر : [ البسيط ]

كلٌّ العداوةِ قَدْ تُرجى إزالَتُها . . . إلاّ عداوةَ مَنْ عَادَاكَ مِنْ حَسَدِ{[3468]}

ولما قرر تعالى هذا الحال لهؤلاء المذكورين ، ووجبت الآية أن يعتقدهم المؤمنون بهذه الصفة ، جاء قوله تعالى : { وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً } تسلية للمؤمنين وتقوية لنفوسهم ، وشرط ذلك بالصبر والتقوى ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع : «لا يضِرْكم » بكسر الضاد وجزم الراء وهو من ضار يضير بمعنى ضر يضر وهي لغة فصيحة ، وحكى الكسائي : ضار يضور ، ولم يقرأ على هذه اللغة ، ومن ضار يضير في كتاب الله { لا ضير }{[3469]} ومنه قول أبي ذؤيب الهذلى :

فَقِيلَ تَحْمَّلْ فَوْقَ طَوْقِكَ إنّها . . . مُطَبَّعَةٌ مَنْ يأتِها لا يَضِيرُها{[3470]}

يصف مدينة ، والمعنى فليس يضيرها ، وفي هذا النفي المقدر بالفاء هو جواب الشرط ، ومن اللفظ قول توبة بن الحمير :

وَقالَ أُنَاسٌ لا يُضِيرُكَ نَأْيُها . . . بَلَى كلُّ ما شقَّ النُّفوسَ يَضِيرُها{[3471]}

وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي : «لا يضُرُّكم » بضم الضاد والراء والتشديد في الراء ، وهذا من ضر يضر ، وروي عن حمزة مثل قراءة أبي عمرو ، وأما إعراب هذه القراءة فجزم ، وضمت الراء للالتقاء ، وهو اختيار سيبويه في مثل هذا إتباعاً لضمة الضاد ، ويجوز فتح الراء وكسرها مع إرادة الجزم ، فما الكسر فلا أعرفها قراءة ، وعبارة الزجّاج في هذا متجوز فيها ، إذ يظهر من درج كلامه أنها قراءة ، وأما فتح الراء من قوله «لا يضرَّكم » فقرأ به عاصم فيما رواه أبو زيد عن المفضل عنه ، ويجوز أيضاً أن يكون إعراب قوله ، «لا يضركم » ، رفعاً إما على تقدير ، فليس يضركم ، على نحو تقدم في بيت أبي ذؤيب ، وإما على نية التقدم على «وإن تصبروا » كما قال [ جرير بن عبد الله ] : [ الرجز ]

يَا أقْرَعُ بْنَ حَابِسٍ يَا أَقْرَعُ . . . إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أَخْوكَ تُصْرَعُ{[3472]}

المراد أنك تصرع ، وقرأ أبي بن كعب : «لا يضرركم » براءين وذلك على فك الإدغام وهي لغة أهل الحجاز وعليها تعالى في الآية { إن تمسسكم } ولغة سائر العرب الإدغام في مثل هذا كله ، و «الكيد » الاحتيال بالأباطيل وقوله تعالى : { وأكيد كيداً }{[3473]} إنما هي تسمية العقوبة باسم الذنب ، وقوله تعالى : { إن الله بما يعملون محيط } وعيد ، والمعنى محيط جزاؤه وعقابه وبالقدرة والسلطان ، وقرأ الحسن : «بما تعملون » بالتاء ، وهذا إما على توعد المؤمنين في اتخاذ هؤلاء بطانة ، وإما على توعد هؤلاء المنافقين بتقدير : قل لهم يا محمد .


[3468]:- لم نعثر على قائل البيت فيما لدينا من المراجع، وورد في "العقد الفريد لابن عبد ربه 2/320" أن عبد الله بن المبارك المروزي كتب إلى علي بن بشر المروزي: كل العداوة قد ترجى إماتتها إلا عداوة من عاداك من حسد فإن في القلب منها عقدة عقدت وليس يفتحها راق إلى الأبد إلا إله فإن يرحم تحل به وإن أباه فلا ترجوه من أحد
[3469]:- من قوله تعالى في الآية (50) من سورة الشعراء: [قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون].
[3470]:- تحمل: الخطاب للبختي في البيت قبله، والبختي: واحد البخث، أو البختية وهي الإبل الخراسانية، والبيت هو: وما حمل البختي عام غياره عليه الوسوق برها وشعيرها والطوق: الطاقة. ومطبقة: مملوءة طعاما والضمير في إنها –للقرية المذكورة في قوله: أتى قرية كانت كثيرا طعامها كرفع التراب كل شيء يميرها "الأغاني" و "الشعر والشعراء 2/549".
[3471]:- هو توبة بن الحمير بن حزم بن كعب أحد بني عقيل شاعر إسلامي وأحد عشاق العرب المشهورين، وصاحبته ليلى الأخيلية، كان يقول الأشعار فيها ولا يراها إلا متبرقعة، فأتاها يوما وقد سفرت فأنكر ذلك، وعلم أنها لم تسفر إلا لأمر حدث...فأنشأ القصيدة التي منها البيت ومطلعها: وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها الشعر والشعراء 1/356". الضير: الضر، والنأي: البعد، وشف النفوس: أي آذاها. والمعنى: يقول أناس إن الفراق والبعد لا يضرك، فقلت: بلى- كل ما يؤذي النفس يضرها ولا ينفعها. "معلق الحماسة" 2/125".
[3472]:- البيت من الرجز، وقائله الصحابي جرير بن عبد الله البجلي، وسببه أنه نافر رجلا من اليمن إلى الأقرع بن حابس حكم العرب فقال: يا أقرع... ويصرع: معناه: يطرح. "شواهد ابن عقيل".
[3473]:- الآية 16 من سورة الطارق.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} (120)

{ إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبهم سيئة يفرحوا بها }

زاد الله كشفا لِما في صدورهم بقوله : { إن تمسسكم حسنة نسؤهم } أي تصبكم حسنة والمسّ الإصابة ، ولا يختصّ أحدهما بالخير والآخر بالشرّ ، فالتَّعبير بأحدهما في جانب الحسنة ، وبالآخر في جانب السيِّئة ، تفنّن ، وتقدّم عند قوله تعالى : { كالذي يتخبطه الشيطان } من المس في سورة البقرة ( 275 ) .

والحسنة والسيِّئة هنا الحادثة أو الحالة الَّتي تحسن عند صاحبها أو تسوء وليس المراد بهما هنا الاصطلاح الشَّرعي .

وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضِرْكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } .

أرشد الله المؤمنين إلى كيفية تلقّي أذى العدوّ : بأن يتلقّوه بالصّبر والحذر ، وعبّر عن الحذر بالاتّقاء أي اتّقاء كيدهم وخداعهم ، وقوله { لا يَضِركم كيدهم شيئاً } أي بذلك ينتفي الضرّ كلّه لأنّه أثبت في أوّل الآيات أنّهم لا يضرّون المؤمنين إلاّ أذى ، فالأذى ضرّ خفيف ، فلمَّا انتفى الضرّ الأعظم الَّذي يحتاج في دفعه إلى شديدِ مقاومة من القتال وحراسة وإنفاق ، كان انتفاء ما بَقي من الضرّ هيّناً ، وذلك بالصّبر على الأذى ، وقلّة الاكتراث به ، مع الحذر منهم أن يتوسّلوا بذلك الأذى إلى ما يوصل ضرّاً عظيماً . وفي الحديث : « لا أحد أصبر على أذى يسمعه من اللَّهِ يدعون له نِدّاً وهو يرزقهم » .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، ويعقوب : { لا يضركم } بكسر الضاد وسكون الراء من ضارُه يضيره بمعنى أضرّه . وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وعاصم ، والكسائي ، وأبو جعفر ، وخلف بضم الضاد وضم الراء مشدّدة مِن ضرّهُ يضُرّه ، والضمّة ضمّة إتباع لحركة العين عند الإدغام للتخلّص من التقاء الساكنين : سكون الجزم وسكونِ الإدغام ، ويجوز في مثله من المضموم العين في المضارع ثلاثةُ وجوه في العربية : الضمّ لإتباع حركة العين ، والفتح لخفّته ، والكسر لأنَّه الأصل في التخلّص من التقاء الساكنين ، ولم يُقرأ إلاّ بالضمّ في المتواتر .