يخبر تعالى أن لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله{[14189]} الحسنى في الدار الآخرة ، كما قال تعالى : { هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ } [ الرحمن : 60 ] .
وقوله : { وَزِيَادَة } هي{[14190]} تضعيف ثواب الأعمال بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وزيادة على ذلك [ أيضا ]{[14191]} ويشمل ما يعطيهم الله في الجنان من القُصُور والحُور والرضا عنهم ، وما أخفاه لهم من قرة أعين ، وأفضل من ذلك وأعلاه النظرُ إلى وجهه{[14192]} الكريم ، فإنه زيادة أعظم من جميع ما أعطوه ، لا يستحقونها بعملهم ، بل بفضله ورحمته{[14193]} وقد روي تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله{[14194]} الكريم ، عن أبي بكر الصديق ، وحذيفة بن اليمان ، وعبد الله بن عباس [ قال البغوي وأبو موسى وعبادة بن الصامت ]{[14195]} وسعيد بن المسيب ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبد الرحمن بن سابط ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعامر بن سعد ، وعطاء ، والضحاك ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، ومحمد بن إسحاق ، وغيرهم من السلف والخلف .
وقد وردت في ذلك أحاديثُ كثيرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد :
حدثنا عفان ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البُناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } وقال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، نادى مناد : يا أهل الجنة ، إن لكم عند الله موعدًا يريد أن يُنْجِزَكُمُوه . فيقولون : وما هو ؟ ألم يُثقِّل موازيننا ، ويبيض وجوهنا ، ويدخلنا الجنة ، ويزحزحنا من النار ؟ " . قال : " فيكشف{[14196]} لهم الحجاب ، فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه ، ولا أقر لأعينهم " .
وهكذا رواه مسلم وجماعة من الأئمة ، من حديث حماد بن سلمة ، به . {[14197]}
وقال ابن جرير : أخبرنا يونس ، أخبرنا ابن وهب : أخبرنا شبيب ، عن أبان{[14198]} عن أبي تَمِيمَة الهُجَيْمي ؛ أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يبعث يوم القيامة مناديا ينادي : يا أهل الجنة - بصَوْت يُسْمعُ أوَّلهم وآخرهم - : إن الله وعدكم الحسنى وزيادة ، الحسنى : الجنة . وزيادة : النظر إلى وجه الرحمن عز وجل " . {[14199]}ورواه أيضا ابنُ أبي حاتم ، من حديث أبي بكر الهُذلي{[14200]} عن أبي تميمة الهجيمي ، به .
وقال ابن جرير أيضًا : حدثنا ابن حميد ، حدثنا إبراهيم بن المختار{[14201]} عن ابن جُرَيْج ، عن عطاء ، عن كعب بن عُجْرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } قال : النظر إلى وجه الرحمن عز وجل . {[14202]} وقال أيضا : حدثنا ابن عبد الرحيم{[14203]} حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، سمعت زهيرًا عمن سمع أبا العالية ، حدثنا أبيّ بن كعب : أنه سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } قال : " الحسنى : الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله عز وجل " . {[14204]} ورواه ابن أبي حاتم أيضا من حديث زهير ، به .
وقوله تعالى : { وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ } أي : قتام وسواد في عَرَصات المحشر ، كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القُتْرة والغُبْرة ، { وَلا ذِلَّةٌ } أي : هوان وصغار ، أي : لا يحصل لهم إهانة في الباطن ، ولا في الظاهر ، بل هم كما قال تعالى في حقهم : { فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا } أي : نضرة في وجوههم ، وسرورًا في قلوبهم ، جعلنا الله منهم بفضله ورحمته ، آمين .
القول في تأويل قوله تعالى : { لّلّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَىَ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلّةٌ أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : للذين أحسنوا عبادة الله في الدنيا من خلقه فأطاعوه فيما أمر ونَهَى الحُسْنَى .
ثم اختلف أهل التأويل في معنى الحسنى والزيادة اللتين وعدهما المحسنين من خلقه ، فقال بعضهم : الحسنى : هي الجنة ، جعلها الله للمحسنين من خلقه جزاء ، والزيادة عليها النظر إلى الله تعالى . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن أبي بكر الصدّيق : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : النظر إلى وجه ربهم .
حدثنا سفيان ، قال : حدثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن قيس ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، عن سعيد بن نمران ، عن أبي بكر : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : النظر إلى وجه الله تعالى .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : النظر إلى وجه ربهم .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، قال : في هذه الآية : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : الزيادة : النظر إلى وجه الرحمن .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مسلم بن نذير ، عن حذيفة : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : النظر إلى وجه ربهم .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : حدثنا شريك ، قال : سمعت أبا إسحاق يقول في قول الله : وَزِيادة قال : النظر إلى وجه الرحمن .
حدثني عليّ بن عيسى ، قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا أبو بكر الهذليّ ، قال : سمعت أبا تميمة الهجيمي يحدّث عن أبي موسى الأشعري ، قال : إذا كان يوم القيامة بعث الله إلى أهل الجنة مناديا ينادي : هل أنجزكم الله ما وعدكم ؟ فينطرون إلى ما أعدّ الله لهم من الكرامة ، فيقول : نعم ، فيقول : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ النظر إلى وجه الرحمن .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي ، قال : أخبرنا أبو تميمة الهجيمي ، قال : سمعت أبا موسى الأشعري يخطب على منبر البصرة يقول : إن الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة ، فيقول : يا أهل الجنة هل أنجزكم الله ما وعدكم ؟ فينظرون إلى ما أعدّ الله لهم من الكرامة ، فيرون الحليّ والحلل والثمار والأنهار والأزواج المطهرة ، فيقولون : نعم ، قد أنجزنا الله ما وعدنا . ثم يقول الملك : هل أنجزكم الله ما وعدكم ؟ ثلاث مرّات ، فلا يفقدون شيئا مما وعدوا ، فيقولون : نعم ، فيقول : قد بقي لكم شيء ، إن الله يقول : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ ألا إن الحسنى الجنة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني شبيب ، عن أبان ، عن أبي تميمة الهجيمي : أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ الله يَبْعَثُ يَوْمَ القِيامَةِ مُنادِيا يُنادِي أهْلَ الجَنّة بصَوْتٍ يُسْمِعُ أوّلَهُمْ وآخِرَهُمْ : إنّ اللّهَ وَعَدَكُمُ الحُسْنَى وَزِيادَةٌ ، فالحُسْنَى الجَنّةُ ، والزّيادَةُ النّظَرُ إلى وَجْهِ الرّحْمَنِ » .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : النظر إلى وجه ربهم . وقرأ : وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلّةٌ قال : بعد النظر إلى وجه ربهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سليمان بن المُغيرة ، قال : أخبرنا ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قوله : وَزِيادَةٌ قال : قيل له : أرأيت قوله : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ ؟ قال : إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة فأعطوا فيها ما أعطوا من الكرامة والنعيم قال : نودوا يا أهل الجنة إن الله قد وعدكم الزيادة ، فيتجلى لهم . قال ابن أبي ليلى : فما ظنك بهم حين ثقلت موازينهم ، وحين صارت الصحف في أيمانهم ، وحين جاوزوا جسر جهنم ودخلوا الجنة ، وأعطوا فيها ما أعطوا من الكرامة والنعيم ؟ كل ذلك لم يكن شيئا فيما رأوا .
قال : حدثنا ابن المبارك ، عن معمر وسليمان بن المُغيرة ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : النظر إلى وجه ربهم .
قال : حدثنا الحجاج ومعلى بن أسد ، قالا : حدثنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال لهم : إنه قد بقي من حقكم شيء لم تُعْطَوْه . قال : فيتجلّى لهم تبارك وتعالى . قال : فيصغر عندهم كلّ شيء أُعْطُوه . قال : ثم قال : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : الحسنى : الجنة ، والزيادة ، : النظر إلى وجه ربهم ، ولا يَرهَق وجوههم قَتر ولا ذلة بعد ذلك .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ النظر إلى وجه الله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا هوذة ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قول الله : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ النظر إلى الربّ .
حدثنا عمرو بن عليّ وحمد بن بشار ، قالا : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الجَنّةَ وأهْلُ النّارِ النّارَ ، نُودُوا : يا أهْلَ الجَنّةِ ، إنّ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ مَوْعِدا قالُوا : ما هُوَ ؟ ألَمْ تُبَيّضْ وُجُوهَنا ، وَتُثَقّلْ مَوَازِينَنا ، وَتُدْخِلُنا الجَنّةَ ، وَتُنَجّنا مِنَ النّارِ ؟ فَيُكْشَفُ الحِجَابُ ، فَيَتَجَلّى لَهُمْ فوَاللّهِ ما أعْطاهُمْ شَيْئا أحَبّ إلَيْهِمْ منَ النّظَرِ إلَيْهِ » ولفظ الحديث لعمرو .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا حماد ، عن ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن صهيب ، قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قالَ : «إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الجَنّةَ وأهْلُ النّارِ النّارَ ، نادَى مُنادِ : يا أهْلَ الجَنّةِ ، إنّ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ مَوْعِدا يُرِيدُ أنْ يُنْجِزَكُموهُ فَيَقُولُونَ : ومَا هُوَ ؟ ألَمْ يُثَقّلِ اللّهُ مَوَازِينَنا ، وَيُبَيّضْ وُجوهَنا ؟ » ثم ذكر سائر الحديث نحو حديث عمرو بن عليّ وابن بشار ، عن عبد الرحمن .
قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن نمران ، عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى .
قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن عامر بن سعد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ بلغنا أن المؤمنين لما دخلوا الجنة ناداهم مناد : إن الله وعدكم الحسنى وهي الجنة وأما الزيادة : فالنظر إلى وجه الرحمن .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا إبراهيم بن المختار ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن كعب بن عجرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله : تعالى : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : «الزّيَادَةُ : النّظَرُ إلى وَجْهِ الرحمن تَبَارك وتَعَالَى » .
قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن عبد الرحمن بن سابط ، قال : الحسنى : النضرة ، والزيادة : النظر إلى وجه الله تعالى .
حدثنا ابن البرقى ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : سمعت زهيرا عمن سمع أبا العالية ، قال : حدثنا أبيّ بن كعب : أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : «الحُسْنَى : الجَنّةُ والزّيادَةُ : النّظَرُ إلى وَجْهِ الله » .
حدثنا به يحيى بن طلحة ، قال : حدثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن الحكم ، عن عليّ رضي الله عنه : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : الزيادة : غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن الحكم ، عن علي رضي الله عنه ، نحوه ، إلا أنه قال : فيها أربعة أبواب .
قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم بن عتيبة ، عن عليّ رضي الله عنه ، مثل حديث يحيى بن طلحة ، عن فضيل سواء .
وقال آخرون : الحسنى واحدة من الحسنات بواحدة ، والزيادة : التضعيف إلى تمام العشر . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : هو مثل قوله : وَلَدَيْنا مَزِيدٌ يقول : يجزيهم بعملهم ويزيدهم من فضله . وقال : مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالهَا وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ فَلا يُجْزَى إلاّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُون .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن علقمة بن قيس : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : قلت : هذه الحسنى ، فما الزيادة ؟ قال : ألم تر أن الله يقول : مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا
حدثنا بشر ، قال : يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان الحسن يقول في هذه الآية : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : الزيادة : بالحسنة عشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف .
وقال آخرون : الحسنى : حسنة مثل حسنة ، والزيادة : زيادة مغفرة من الله ورضوان . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى مثلها حسنى وزيادة مغفرة ورضوان .
وقال آخرون : الزيادة ما أعطوا في الدنيا . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال : الحسنى : الجنة ، وزيادة : ما أعطاهم في الدنيا لا يحاسبهم به يوم القيامة . وقرأ وآتَيْنَاهُ أجْرَهُ في الدّنْيا قال : ما آتاه مما يحبّ في الدنيا عجّل له أجره فيها .
وكان ابن عباس يقول في قوله : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى بما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى يقول : للذين شهدوا أن لا إله إلا الله .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تبارك وتعالى وعد المحسنين من عباده على إحسانهم الحسنى أن يجزيهم على طاعتهم إياه الجنة وأن تبيض وجوههم ، ووعدهم مع الحسنى الزيادة عليها ، ومن الزيادة على إدخالهم الجنة أن يكرمهم بالنظر إليه ، وأن يعطيهم غرفا من لاَلىء ، وأن يزيدهم غفرانا ورضوانا كلّ ذلك من زيادات عطاء الله إياهم على الحسنى التي جعلها الله لأهل جناته . وعمّ ربنا جلّ ثناؤه بقوله : وَزِيادَةٌ الزيادات على الحسنى ، فلم يخصص منها شيئا دون شيء ، وغير مستنكر من فضل الله أن يجمع ذلك لهم ، بل ذلك كله مجموع لهم إن شاء الله . فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يعمّ كما عمه عزّ ذكره .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلّةٌ أُولئكَ أصحَابُ الجَنّةِ هُمْ فِيها خالدُونَ .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلّةٌ لا يغشى وجوههم كآبة ولا كسوف حتى تصير من الحزن كأنما علاها قتر . والقتر : الغبار وهو جمع قترة ، ومنه قول الشاعر :
مُتَوّجٌ برداءِ المُلْكِ يَتْبَعُهُ *** مَوْجٌ تَرى فَوْقَهُ الرّاياتِ والقَتْرِا
يعني بالقتر : الغبار . وَلا ذِلّةٌ . ولا هوان . أولَئِكَ أصْحَابُ الجَنّةِ يقول هؤلاء الذين وصفت صفتهم هم أهل الجنة وسكانها ومن هُمْ فيها خَالِدُون يقول هم فيها ماكثون أبدا لا تبيد فيخافوا زوال نعيمهم ، ولا هم بمخرجين فتتنغص عليهم لذتهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
وكان ابن أبي ليلى يقول في قوله : وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ما :
حدثنا محمد بن منصور الطوسى ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا زيد ، عن ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلّةٌ قال : بعد نظرهم إلى ربهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ومعلى بن أسد ، قالا : حدثنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، بنحوه .
حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس ، قوله : وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ قال : سواد الوجوه .
وقوله تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } الآية ، قالت فرقة وهي الجمهور : { الحسنى } الجنة و «الزيادة » النظر إلى وجه الله عز وجل ، وروي في نحو ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه صهيب{[6086]} ، وروي هذا القول عن أبي بكر الصديق وحذيفة وأبي موسى الأشعري وعامر بن سعد وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال : «الزيادة » غرفة من لؤلؤة واحدة ، وقالت فرقة { الحسنى } هي الحسنة ، و «الزيادة » هي تضعيف الحسنات إلى سبعمائة فدونها حسبما روي في نص الحديث ، وتفسير قوله تعالى : { والله يضاعف لمن يشاء } [ البقرة : 261 ] ، وهذا قول يعضده النظر ولولا عظم القائلين بالقول الأول لترجح هذا القول ، وطريق ترجيحه أن الآية تتضمن اقتراناً بين ذكر عمال الحسنات وعمال السيئات ، فوصف المحسنين بأن لهم حسنى وزيادة من جنسها ، ووصف المسيئين بأن لهم بالسيئة مثلها فتعادل الكلامان ، وعبر عن الحسنات ب { الحسنى } مبالغة ، إذ هي عشرة ، وقال الطبري : { الحسنى } عام في كل حسنى فهي تعم جميع ما قيل ، ووعد الله تعالى على جميعها بالزيادة ، ويؤيد ذلك ذلك أيضاً قوله { أولئك أصحاب الجنة } ، ولو كان معنى { الحسنى } الجنة لكان في القول تكرير بالمعنى ، على أن هذا ينفصل عنه بأنه وصف المحسنين بأن لهم الجنة وأنهم لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ، ثم قال { أولئك أصحاب الجنة } على جهة المدح لهم ، أي أولئك مستحقوها وأصحابها حقاً وباستيجاب . و { يرهق } معناه يغشى مع ذلة وتضييق ، والقتر الغبار المسود ، ومنه قول الشاعر [ الفرزدق ] : [ البسيط ]
متوج برداء الملك يتبعه*** موج ترى وسطه الرايات والقترا{[6087]}
وقرأ الحسن وعيسى بن عمر والأعمش وأبو رجاء «قتْر » بسكون التاء .