تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ۩} (15)

يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه الذي قهر كل شيء ، ودان له كل شيء . ولهذا يسجُد له كلّ شيء طوعا من المؤمنين ، وكرها من المشركين ، { وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ } أي : البُكر{[15538]} والآصال ، وهو جمع أصيل وهو آخر النهار ، كما قال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ } [ النحل : 48 ] .


[15538]:- في أ : بالبكرات".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ۩} (15)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَللّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ } .

يقول تعالى ذكره : فإن امتنع هؤلاء الذين يدعون من دون الله الأوثان والأصنام لله شركاء من إفراد الطاعة والإخلاص بالعبادة له ، فللّه يسجد من في السموات من الملائكة الكرام ومن في الأرض من المؤمنين به طوعا ، فأما الكافرون به فإنهم يسجدون له كَرْها حين يكرهون على السجود . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها فأما المؤمن فيسجد طائعا ، وأما الكافر فيسجد كارها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، قال : كان ربيع بن خيثم إذا تلا هذه الآية : ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها قال : بلى يا رباه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها قال : من دخل طائعا هذا طوعا ، وكرها من لم ير يدخل إلاّ بالسيف .

وقوله : وَظِلالُهُمْ بالغُدُوّ والاَصَالِ يقول : ويسجد أيضا ظلال كلّ من سجد لله طوعا وكرها بالغدوات والعشايا ، وذلك أن ظل كلّ شخص فإنه يفىء بالعشيّ كما قال جلّ ثناؤه : أوَ لمْ يَرَوْا إلى ما خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَقَيّأ ظِلالُهُ عَنِ اليَمِينِ والشّمائِلِ سُجّدا لِلّهِ وَهُمْ داخِرُونَ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَظِلالُهُمْ بالغُدُوّ والاَصالِ يعني : حين يفىء ظلّ أحدهم عن يمينه أو شماله .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان ، قال في تفسير مجاهد : ولِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ في السّمَوَاتِ والأرْضِ طَوْعا وكَرْها وَظِلالُهُمْ بالغُدُوّ والاَصَالِ قال : ظلّ المؤمن يسجد طوعا وهو طائع ، وظلّ الكافر يسجد طوعا وهو كاره .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَظِلالُهُمْ بالغُدُوّ والاَصَالِ قال : ذكر أن ظلال الأشياء كلها تسجد له ، وقرأ : سُجّدا لِلّهِ وهم دَاخِرُونَ قال : تلك الظلال تسجد لله . والاَصال : جمع أُصُل ، والأصُلُ : جمع أصيل ، وا لأصيل : هو العشيّ ، وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس قال أبو ذؤَيب :

لَعَمْرِيَ لأَنْتَ البَيْتُ أُكْرِمُ أهْلَهُ *** وأقْعُدُ في أفْيائِهِ بالأصَائِلِ