السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ۩} (15)

وقوله تعالى : { ولله يسجد من في السماوات والأرض } يحتمل أن يراد به السجود على حقيقته وهو وضع الجبهة ، وعلى هذا فيكون قوله تعالى : { طوعاً } للملائكة والمؤمنين من الثقلين حالتي الشدّة والرخاء وقوله تعالى : { وكرهاً } للكافرين والمنافقين الذين أكرهوا على السجود بالسيف وأن يراد به التعظيم والاعتراف بالعبودية ، فكل من السماوات والأرض معترف بعبودية الله تعالى كما قال تعالى : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله } [ الزخرف ، 87 ] وأن يراد به الانقياد والخضوع وترك الامتناع ، وكل من في السماوات والأرض ساجد لله بهذا المعنى ؛ لأنّ قدرته ومشيئته نافذة في الكل .

تنبيه : قوله تعالى : { طوعاً وكرهاً } إمّا مفعول من أجله وإمّا حال ، أي : طائعين وكارهين . واختلف في تفسير قوله تعالى : { وظلالهم بالغدوّ } ، أي : البكر { والآصال } ، أي : العشايا ، أي : تسجد فقال أكثر المفسرين : كل شخص سواء كان مؤمناً أو كافراً ، فإن ظله يسجد لله . قال مجاهد : ظل المؤمن يسجد لله تعالى وهو طائع ، وظل الكافر يسجد لله تعالى وهو كاره . وقال الزجاج : جاء في التفسير أن الكافر يسجد لغير الله وظله يسجد لله . قال ابن الأنباريّ : ولا يبعد أن يخلق الله تعالى في الظلال عقولاً وأفهاماً تسجد بها لله وتخشع . وقيل : المراد من سجود الظلال ميلها من جانب إلى جانب وطولها بسبب انحطاط الشمس وقصرها بسبب ارتفاع الشمس وهي منقادة مسلسلة في طولها وقصرها وميلها من جانب إلى جانب . وإنما خص الغدوّ والآصال بالذكر ؛ لأنّ الظلال إنما تعظم وتكثر في هذين الوقتين .

تنبيه : الغدوّ جمع غداة كقنى وقناة ، والآصال جمع الأصل ، والأصل جمع أصيل ، وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس .