ولما كانت دعوة الأمر واضحة السبل جلية المناهج في جميع كتبه ، وكلها إلى الناظرين وبين دعوة الحكم بقوله : { ولله } أي الملك الأعلى { يسجد } أي يخضع وينقاد ويتذلل كما بين عند قوله
{ ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك{[43745]} }[ هود :119 ] { من في السماوات والأرض } لجميع أحكامه النافذة وأقضيته الجارية { طوعاً } والطوع : الانقياد للأمر الذي يدعى إليه من قبل النفس { وكرهاً } قال الرازي رحمه الله : والكافر في حكم الساجد وإن أباه لما به من الحاجة الداعية إلى الخضوع ، واعلم أن سجود كل صنف هو تذلله وتسخره وانقياده لما أريد له ، فكل موجود جماد وحيوان عاقل وغير عاقل{[43746]} وروحاني وغير روحاني مسخر لأمر من له الخلق والأمر ؛ وقال الشيخ محيي الدين النووي رضي الله عنه في شرح المهذب : أصله - أي السجود - الخضوع والتذلل ، وكل من تذلل وخضع فقد سجد ، وسجود كل موات{[43747]} في القرآن طاعته لما سخر له - هذا أصله في اللغة ، ثم قيل لمن وضع جبهته في الأرض : سجد{[43748]} ، لأنه غاية الخضوع .
ولما كانت الظلال مسخرة لما أراد منها سبحانه ، لا قدرة لأحد على تغيير ذلك بوجه ، قال : { وضلالهم } أي{[43749]} أيضاً تسجد له{[43750]} بامتدادها على الأرض ، تقصر تارة بارتفاع{[43751]} الشمس وتطول{[43752]} أخرى{[43753]} بانحطاطها ، لا يقدرون{[43754]} على منع ظلالهم من ذلك حيث يكون لهم ظلال{[43755]} ، وذلك { بالغدو } جمع غداة{[43756]} ، وهي البكرة{[43757]} : أول النهار { والآصال * } جمع أصيل ، دائماً في جميع البلاد ، و{[43758]} في وسط النهار في بعض البلاد ؛ والظل : ستر الشخص ما بإزائه ، والفيء{[43759]} : الذي يرجع بعد ذهاب ضوئه ، والأصيل : العشيّ ما بين العصر إلى المغرب - كأنه أصل الليل الذي ينشأ منه .
ومادة " صلا " - واوية ويائية مهموزة وغير مهموزة بتراكيبها الأحد عشر ، وهي : صلو ، صول{[43760]} ، لصو{[43761]} ، لوص ، وصل ، صلي ، صيل ، لصي ، ليص ، أصل ، صأل - تدور{[43762]} على الوصلة ، فالصلاة وصلة بين العبد وربه سواء كانت دعاء أو استغفاراً أو{[43763]} رحمة أو حسن الثناء من الله على رسوله ، أو ذات الأركان ، وصلوات اليهود لمتعبداتهم من ذلك في الأصل ، والصلا : وسط الظهر منا ، أو من كل ذي أربع ، أو ما انحدر من الوركين ، أو{[43764]} الفرجة بين الجاعرة والذنب{[43765]} - يجوز أن يكون من ذلك ، لأنه يقرب من غيره من الأعضاء إذا انثنى الحيوان ، ويجوز أن يكون{[43766]} شبه بالعود المعوج الذي يقوم بإصلائه{[43767]} النار ، وأصلت الناقة وصليت - إذا استرخى صلواها{[43768]} لقرب نتاجها ، والمصلّي من خيل الحلبة{[43769]} : الذي يجيء على إثر السابق ، فإنه يواصله ، وصلى الحمار أتنه{[43770]} : طردها وقحمها الطريق - فكأنه بذلك قومها بعد أن كانت معوجة ، أو أراد مواصلتها ؛ صال{[43771]} الرجل صولة - إذا سطا واستطال ، لأن ذلك مواصلة على وجه القهر والغلبة ، و{[43772]} كذا صال الفحل على الإبل - إذا قاتلها{[43773]} ، والعير - إذا حمل على العانة{[43774]} فشلها ، وصال على كذا : وثب ، وصاوله : واثبه{[43775]} ، والتصويل : إخراجك الشيء بالماء ، لأن ذلك سبب الخلوص ، وإذا خلص الشيء تواصلت أجزاؤه ، لأن ذلك المخرج كان حائلاً بينها ، والتصويل - أيضاً : كنس نواحي البيدر{[43776]} ، لأنه سبب لتواصل ما كان متفرقاً ، {[43777]} ومن ذلك{[43778]} المصول - كمنبر : شيء{[43779]} ينقع فيه الحنظل لتذهب مرارته ، وبهاء : المكنسة ، والصيلة{[43780]} - بالكسر : عقدة العذبة - لتواصل محل العقد بعضه ببعض{[43781]} وبه يتماسك اتصال بعض العمامة ببعض{[43782]} ، والجراد يصول{[43783]} في مشواه ، من التصويل ، أي يساط{[43784]} ، بمعنى يخلط بالتقليب فيتواصل منه ما كان متفرقاً ، وصال يصيل - لغة في يصول{[43785]} ، وصيل له - كذا بالكسر :{[43786]} قيض وأتيح{[43787]} ، لأنه صار مقارناً له ، ولصوت الرجل عبته وقذفته - لأنك وصلت به العيب ، وفلان لا يلصو{[43788]} إلى ريبة ، أي{[43789]} لا ينضمُّ إليها ولا ينضاف ؛ واللوص : اللمح من خلل باب ونحوه كالملاوصة - كأنه وصلة بالنظر من موضع غير معهود ، أو لأنه سبب الوصلة إلى ما يراد ، ولاوص{[43790]} : نظر كأنه{[43791]} يختل ليروم{[43792]} أمراً ، و{[43793]} الشجرة : أراد أن يقطعها بالفأس ، فلاوص{[43794]} في نظره يمنة ويسرة كيف يأتيها وكيف يضربها - لأن حاصل ذلك المواصلة على وجه الشدة كما تقدم في{[43795]} صال عليه ، وتلوص : تلوى وتقلب ، ومنه أليص - أي أرعش ، وألاصه على الشيء : أداره عليه{[43796]} وأراده منه - كأنه طلب منه مواصلته ، واللواص - كسحاب : الفالوذ كالملوص{[43797]} كمعظم ، والعسل الصافي - لأنه أهل{[43798]} للمواصلة ، ولوص : أكل ، واللوص : وجع الأذن والنحر ، واللوصة ؛ وجع الظهر - كأنه لشدته{[43799]} لا مواصل للبدن سواه ، ولاص : حاد{[43800]} - أي سلب الوصلة ؛ والوصلة - التي هي{[43801]} مدار المادة وكأنها الحقيقة التي تشعبت منها{[43802]} فروعها - هي الضم وهي التئام الشيء بالشيء ، وكل ما اتصل بشيء فالذي{[43803]} بينهما وصلة ، وضدها الفرقة ، والوصل : ضد القطع ، والأوصال المفاصل ومجتمع{[43804]} العظام ، لأنها موضع اتصال العظم{[43805]} بالآخر ، والوصلان - بالكسر والضم : طبقاً الظهر ، ويقال : هما العجز والفخذ ، والوصيلة : الشاة تلد ذكراً ثم تلد أنثى ، فتصل{[43806]} أخاها ، وفيها خلاف كثير كله{[43807]} يدور على الوصلة ، ووصل الشيء بالشيء : لأمه ، ووصل الشيء وإلى الشي : بلغه وانتهى إليه ، وأوصله واتصل : لم ينقطع ، ووصله وواصله - كلاهما يكون في عفاف الحب ودعارته ، والوصائل جمع وصيلة - لثياب حمر مخططة يمنية يتخذها الناس دروعاً{[43808]} يشق{[43809]} من جانبيها ، كأنه لأنها{[43810]} توصل بغيرها أو يقطع{[43811]} بعضها{[43812]} ثم يوصل بها لتصير دروعاً ، والوصيلة : العمارة والخصب والرفقة والسيف - لأن ذلك أهل لأن يوصل ، والوصيلة : كبة الغزل لشدة التباس بعضها ببعض ، والأرض الواسعة - لأن اتصالها لم يحل بينه جبال{[43813]} ، وليلة الوصل : آخر ليالي الشهر ، لأنها تصل بين الشهرين ، وحرف الوصل : الذي بعد{[43814]} الروي - لأنه وصل حركة حرف الروي ، ووصيلك{[43815]} : من يدخل ويخرج معك ، وتَصِلُ : بئر ببلاد هذيل ، واتصل الرجل - إذا انتسب ، لأنه وصل نفسه بمن انتسب إليهم ، والموصول : دابة كالدبر{[43816]} تلسع الناس ، كأنه من السلب ؛ وصليت اللحم : شويته - لأنك وصلته بالنار ، وصليته : ألقيته في النار للإحراق ، والصلاء - ككساء : الشواء أو{[43817]} النار كالصلى فيهما ، وكأن منه : صلّى عصاه على النار ، أي{[43818]} أحماها ليقومها - لأن كلاًّ منهما وصله بالنار للإصلاح ، وأصليته النار : أدخلته إياها وأثويته فيها ، وصلى يده بالنار : سخنها - لأنه وصلها بها ، وصلي النار - كرضي : قاسى حرها ، وصليت فلاناً : داريته وخاتلته{[43819]} وخدعته - كل ذلك لإرادة مواصلته لأمر ، والصلاية{[43820]} - ويهمز : الجبهة{[43821]} ، لكثرة مباشرتها الأرض في الصلاة ، ومدق الطيب - لمواصلة الدق ، وصليت للصيد تصلية{[43822]} - إذا نصبت له شركاً ليقع فيه فتصل{[43823]} إليه ، ومنه الحديث " إن{[43824]} للشيطان مصالي وفخوخاً{[43825]} " جمع مصلاة{[43826]} وفخ ، والصليان - بكسر ثم تشديد - قال في مختصر{[43827]} العين : نبت معروف ، وقال القزاز : وهو شجر له جعثن{[43828]} ضخم ، ربما جرد وسطه ونبت ما حوله ، وهو من أفضل المراعي وهو خبز{[43829]} الإبل ، وقيل : إن الخيل تأكله ولونه أصهب - انتهى .
فسمي بذلك لكثرة مواصلة الإبل له{[43830]} ؛ ولصيت الرجل كرميت ورضيت{[43831]} - إذا عبته وقذفته بالفجور ، وقال القزاز : وقيل : هو أن يضيفه إلى ربية ، ولصي إليه : انضم إليه لريبة ؛ ولاص يليص : حاد ، ولصته{[43832]} أليصه وألصته - إذا أزعجته{[43833]} أو حركته لتنتزعه{[43834]} - كأنه من السلب ، وألصته{[43835]} عن كذا - إذا راودته عنه ، يمكن أن يكون سلباً وأن يكون إيجاباً ؛ والأصل : أسفل كل شيء - لأن جميع الأشياء واصلة إليه ، وأصل - ككرم : صار ذا أصل أو ثبت أو رسخ أصله كتأصل ، والرأي : جاد{[43836]} - كل ذلك{[43837]} تشبيه بالأصل ، والأصيل : من له أصل ، والعاقب الثابت الرأي ، وقد أصل - ككرم ، والأصيل : العشيّ - لأنه وصلة{[43838]} ما بين النهار والليل ، أو{[43839]} لأنه لما آذن بتصرم النهار كأن{[43840]} كانه اجتثه من أصله ، ومنه الأصيل - للهلاك والموت كالأصيلة{[43841]} فيهما ، ولقيتهم مؤصلاً أي بالأصيل ، وأخذه{[43842]} بأصلته - محركاً ، وأصيلته{[43843]} أي كله بأصله{[43844]} ، وأصيلتك : جميع مالك أو نخلتك ، والأصل - ككتف : المستأصل ، وأصله علماً : قتله{[43845]} - كأنه أدام مواصلته حتى أتقنه ، والأصلة - محركة : حية قصيرة تساور الإنسان{[43846]} - قاله في مختصر العين ، وفي القاموس : حية صغيرة أو عظيمة{[43847]} تهلك بنفخها ، فإن نظرت إلى المساورة فهو{[43848]} من المواصلة - كما تقدم في صال عليه ، وإن نظرت إلى الهلاك فهو من الاستئصال ، وأصل الماء - كفرح{[43849]} : أسن من حمأة ، واللحم : تغير ، يجوز أن يكون من الوصلة أي لشدة مواصلة الحمأة للماء والهواء للحم ، وأن يكون من الأصيل أي الهلاك بجملته وأصله{[43850]} ، وأن يكون من سلب المواصلة ؛ وصؤل البعير{[43851]} - ككرم صآلة : واثب{[43852]} الناس أو صار{[43853]} يقتل الناس ويعدو عليهم ، وصئيل الفرس : صهيله - لمواصلة{[43854]} نغماته ، هذا وقد مضى عند قوله تعالى في سورة هود عليه السلام { صلواتك تأمرك{[43855]} } إشارة إلى هذا{[43856]} - والله سبحانه وتعالى أعلم{[43857]} .