التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ۩} (15)

قوله تعالى : { وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } { طوعا وكرها } ، منصوبان على الحال . وقيل : على المصدر . أما معنى الآية هذه : فما ينبغي الاعتماد على تأويل السجود على معناه الحقيقي وهو وضع الجبهة والكفين على الأرض ، فغن هذا التأويل سيفضي إلى افتراض السجود على أهل الكتاب إكراها ، وهم قبل ذلك غير مكرهين على التزام الإسلام ، إذ لا إكراه في الدين .

أما التأويل الحق أن يفسر السجود بالانقياد ؛ فغن جميع العباد –مؤمنين وكافرين- منقادون لفعل ما أراده الله فيهم ، شاءوا أو أبوا ؛ فهم وإن لم يسجدوا لله سجودا حقيقيا لكنهم منقادون لأمره فيهم بالصحة والمرض ، والحياة والموت ، والفقر والغنى . ومثل هذه الحقائق والظواهر والصفات يشترك فيها المؤمنين والكافرين . قوله : { وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ } الغدو ، ما بين صلاة الصبح وطلوع الشمس . والغداة بمعنى الضحوة ، وتحمل على أول النهار . والجمع غدوات{[2334]} . { والآصال } ، جمع ومفرده الأصيل ، وهو العشي . وهو ما بعد صلاة العصر إلى الغروب{[2335]} { وَظِلالُهُم } معطوف الاسم الموصول { من } والمراد : أن ظل كل شيء يسجد لله في هذين الوقتين وهما أول النهار وآخره ، ووجه ذلك : أن الضلال إنما تتبع أصحابها من الناس في الحركة والامتداد والتقليص ؛ فهي بذلك منقادة معهم لله وذلك هو سجودها{[2336]} .


[2334]:المصباح المنير جـ 2 ص 96.
[2335]:المصباح المنير جـ 1 ص 20.
[2336]:فتح القدير جـ 3 ص 73 والكشاف جـ 2 ص 354.