اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ۩} (15)

قوله : { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض } الآية في المراد بهذا السجود قولان :

أحدهما : السجود بوضع الجبهة على الأرض ، وعلى هذا القول ، ففيه وجهان :

أحدهما : أنَّ اللفظ ، وإن كان عامًّا إلا أنَّ المراد المؤمنون ، فبعضهم يسجدُ لله طوعاً بنشاط ، وبضعهم يسجد لله كرهاً لصعوبة ذلك عليه ، ويتحمل مشقَّة العبادة .

وقيل : المراد بقوله : " طَوعاً " الملائكة ، والمؤمنون ، و " كَرْهاً " المنافقون ، والكافرون الذين أكرهوا على السجود بالسَّيف .

والثاني : أنَّ اللفظ عام .

فإن قيل : ليس المراد : { مَن فِي السماوات والأرض } يسجد لله ؛ لأن الكفَّار لا يسجدون .

فالجواب من وجهين :

الأول : أن المعنى أنه يجب على كلٍّ من في السموات ، والأرض أن يعترف بعبودية الله ، كما قال : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } [ الزمر : 38 ] .

والقول الثاني : أنَّ السُّجود عبارة عن الانقياد ، والخضوع ، وترك الامتناع ، كلُّ من في السموات ، والأرض ساجد لله بهذا المعنى ؛ لأنَّ قدرته ، ومشيئته نافذة في الكُل .

قوله : { طَوْعاً وَكَرْهاً } إمَّا معفول من أجله ، وإمَّا حال ، أي : طائعين ، كارهين وإمَّا منصوب على المصدر المؤكد بفعل مضمر .

قوله : { وَظِلالُهُم بالغدو والآصال } قرأ أبو مجلز : والإيصال ، بالياء قبل الصَّاد وخرَّجها ابن جني على أنه مصدر " آصل " ، كضارب ، أي : دخل في الأصيل ، كأصبح أي : دخل في الصَّباح ، و " ظِلالُهمْ " عطف على " من " ، و " بِالغُدوِّ " متعلق ب " يَسْجدُ " والباء بمعنى " فِي " ، أي : في هذين الوقتين .

قال المفسرون : كل شخص سواء كان مؤمناً ، أو كافراً فإنَّ ظله يسجد لله .

قال مجاهد : ظل المؤمن يسجد لله طوعاً ، وهو طائع ، وظل الكافر يسجد لله كرهاً وهو كاره .

وقال الزجاج : " جاء في التفسير أن الكافر يسجد لغيرِ الله ، وظله يسجد لله " .

وعند هذا قال ابن الأنباري : لا يبعد أن يخلق تعالى للظلال عقولاً ، وأفهاماً تسجد بها ، وتخشع كما جعل للجبال أفهاماً حتى اشتغلت بتسبيح الله وظهر اسم التجلي فيها ، كما قال تعالى : { فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً } [ الأعراف : 143 ] .

قال القشيري رحمه الله : " وفي نظر ؛ لأن الجبل عين ، فيمكنُ أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة ، وأمَّا الظلال ، فآثار وأعراض ، ولا يتصور تقدير الحياة لها " .

وقيل : المراد من سجود الظلال [ ميلانها ] من جانب إلى جانب ، وطولها بسبب انحطاطِ الشمس ، وقصرها بسبب ارتفاع الشمس ، وهي منقادة [ مستسلمة ] في طولها ، وقصرها وميلها من جانب إلى جانب ، وإنَّما خص الغدو ، والآصال بالذِّكر ؛ لأنَّ الظلال إنما تعظم ، وتكثر في هذين الوقتين " .

و " الآصَال " جمع الأُصُل ، والأُصل : جمع الأصيل ، وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس .

وقيل : " ظِلالُهمْ " ، أي : أشخاصهم بالغدو ، والآصال بالبكر والعشايا .