محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ۩} (15)

وقوله تعالى :

[ 15 ] { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال 15 } .

{ ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال } إخبار عن عظمته تعالى وسلطانه الذي قهر كل شيء ، بأنه ينقاذ لجلاله وإرادته وتصريفه المكونات بأسرها من أهل الملإ الأعلى والأسفل ، طائعين وكارهين لا يقدرون أن يمتنعوا عليه ، وكذا تنقاد له تعالى ظلالهم حيث تتصف على مشيئته في الامتداد والتقلص والفيء / والزوال ! وقوله { بالغدو والآصال } إما ظرف ل { يسجد } والباء بمعنى ( في ) والمراد بهما الدوام لأنه يذكر مثله للتأييد وإما حال من ( الظلال ) والمراد ما ذكر . أو يقال التخصيص لأن امتدادها وتقلصها فيهما أظهر . هذا ما جرى عليه الأكثر في معنى ( السجود ) فيكون استعارة للانقياد المذكور ، أو مجازا مرسلا لاستعماله في لازم معناه ، لأن الانقياد مطلقا لازم للسجود .

وفي ( تنوير الاقتباس ) : تأويل السجود بالصلاة والعبادة وجعل { طوعا وكرها } نشرا على ترتيب اللف . قال { طوعا } أهل السماء من الملائكة لأن عبادتهم بغير مشقة و { كرها } أهل الأرض لأن عبادتهم بالمشقة . ثم قال : ويقال { طوعا } لأهل الإخلاص { وكرها } لأهل النفاق ثم قال : { وظلالهم } يعني وظلال من يسجد لله أيضا ، وتسجد غدوة عن أيمانهم ، وعشية عن شمائلهم .

قال أبو السعود : وقد قيل : إن المراد حقيقة السجود ، فإن الكفرة حال الاضطرار وهو المعنيّ بقوله تعالى : { وكرها } يخصون السجود به سبحانه . قال تعالى{[5075]} : { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين } ولا يبعد أن يخلق الله تعالى في الظلال أفهاما وعقولا بها تسجد لله سبحانه ، كما خلقها للجبال حتى اشتغلت بالتسبيح وظهر فيها آثار التجلي . كما قاله ابن الأنباري . ويجوز أن يراد بسجودها ما يشاهد فيها من هيئة السجود تبعا لأصحابها . وأنت خبير بأن اختصاص سجود الكافر ، حالة الضرورة والشدة . بالله سبحانه لا يجدي ، فإن سجودهم لأصنامهم حالة الرخاء مخلّ بالقصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور ، فالوجه حمل السجود على الانقياد ولأن تحقيق انقياد الكل في الإبداع والإعدام له تعالى . أدخل في التوبيخ على اتخاذ أولياء من دونه من تحقيق سجودهم له تعالى . وتخصيص انقياد العقلاء بالذكر مع كون غيرهم أيضا كذلك لأنهم العمدة . وانقيادهم دليل انقياد غيرهم . انتهى .

/ وهذه الآية كقوله تعالى{[5076]} : { وله أسلم من في السماوات والأرض } وقوله{[5077]} : { أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفّيأ ظلاله . . . } الآية .

تنبيه :

هذه السجدة ، من عزائم سجود التلاوة ، فيسنّ للقارئ والمستمع أن يسجد عند قراءته واستماعه لهذه السجدة كذا في ( اللباب ) .


[5075]:[29 / العنكبوت / 65].
[5076]:[3 / آل عمران / 83].
[5077]:[16 / النحل / 48].