الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلِلَّهِۤ يَسۡجُدُۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ طَوۡعٗا وَكَرۡهٗا وَظِلَٰلُهُم بِٱلۡغُدُوِّ وَٱلۡأٓصَالِ۩} (15)

وقوله تعالى : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السموات والأرض } [ الرعد : 15 ] .

تنبيهٌ على قدرته وعظمته سبحانه ، وتسخيرِ الأشياءِ له ، والطَّعْنِ على الكفَّار التارِكِينَ للسُّجود ، و{ مَن } : تَقَعُ على الملائكةِ عموماً ، و«سُجُودُهُمْ » : طوع ، وأما أهْلُ الأرض ، فالمؤمنون داخلُونَ في { مَن } ، وسجودُهم أيضاً طَوْع ، وأما سجودُ الكَفَرة ، فهو الكَرْه ، وذلك على معنيين ، فإِن جعلنا السجُودَ هذه الهيئة المعهودَةَ ، فالمراد من الكَفَرَة مَنْ أسلم ، خَوْفَ سيفِ الإِسلام ؛ كما قاله قتادة ، وإِن جعلنا السُّجود الخضُوعَ والتذلُّل ، حَسَب ما هو في اللغة ، فيدخلُ الكفَّار أجمعون في { مَن } ، لأنه ليس من كافرٍ إِلا ويلحقه من التذلُّل والاستكانة لقدرة اللَّه تعالى أنواعٌ أكثر من أنْ تحصَى بحسب رَزَايَاهُ ، واعتباراته .

وقوله سبحانه : { وظلالهم بالغدو والأصال } : إِخبار عن أَنَّ الظِّلال لها سُجُودٌ للَّه تعالى كقوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوا إلى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظلاله } [ النحل : 48 ] ، وقال مجاهد : ظلُّ الكافر يسجُدُ طوعاً ، وهو كاره ورُوِيَ أن الكافر إِذا سَجَد لصنمه ، فإِن ظلَّه يسجُدُ للَّهِ حينئذٍ ، وباقي الآية بيِّن