تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

ثم حذر تعالى عباده عن{[16677]} اتخاذ الأيمان دخلا ، أي : خديعة ومكرًا ، لئلا تَزل قدم بعد ثبوتها : مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزل عن طريق الهدى ، بسبب الأيمان الحانثة{[16678]} المشتملة على الصد عن سبيل الله ؛ لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به ، لم يبق له وثوق بالدين ، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام ؛ ولهذا قال : { وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .


[16677]:في ت، ف: "من".
[16678]:في ت: "الحادثة".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَا تَتَّخِذُوٓاْ أَيۡمَٰنَكُمۡ دَخَلَۢا بَيۡنَكُمۡ فَتَزِلَّ قَدَمُۢ بَعۡدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ ٱلسُّوٓءَ بِمَا صَدَدتُّمۡ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَكُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ} (94)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلاَ تَتّخِذُوَاْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسّوَءَ بِمَا صَدَدتّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : ولا تتخذوا أيمانكم بينكم دَخَلاً وخديعة بينكم ، تَغُرّون بها الناس ، { فَتَزِلّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها } ، يقول : فتهلكوا بعد أن كنتم من الهلاك آمنين . وإنما هذا مثل لكلّ مبتلى بعد عافية ، أو ساقطٍ في ورطة بعد سلامة ، وما أشبه ذلك : «زلّت قدمه » ، كما قال الشاعر :

سيَمْنَعُ منكَ السّبْقُ إنْ كُنْتَ سابِقا *** وتُلْطَعُ إنْ زَلّتْ بكَ النّعْلانِ

وقوله : { وَتَذُوقُوا السّوءَ } ، يقول : وتذوقوا أنتم السوء ، وذلك السوء هو عذاب الله الذي يعذّب به أهل معاصيه في الدنيا ، وذلك بعض ما عذّب به أهل الكفر . { بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ } ، يقول : بما فَتنتم من أراد الإيمان بالله ورسوله عن الإيمان . { وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، في الآخرة ، وذلك نار جهنم . وهذه الآية تدلّ على أن تأويل برَيُدة الذي ذكرنا عنه في قوله : { وأوْفُوا بعَهْدِ اللّهِ إذَا عاهَدْتُمْ } ، والآيات التي بعدها ، أنه عُنِي بذلك : الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، عن مفارقة الإسلام لقلة أهله ، وكثرة أهل الشرك ، هو الصواب ، دون الذي قال مجاهد أنهم عنوا به ؛ لأنه ليس في انتقال قوم تحالفوا عن حلفائهم إلى آخرين غيرهم صدّ عن سبيل الله ولا ضلال عن الهدى ، وقد وصف تعالى ذكره في هذه الآية فاعِلِي ذلك أنهم باتخاذهم الأيمان دخلا بينهم ونقضهم الأيمان بعد توكيدها ، صادّون عن سبيل الله ، وأنهم أهل ضلال في التي قبلها ، وهذه صفة أهل الكفر بالله ، لا صفة أهل النّقْلة بالحلف عن قوم إلى قوم .