قال الله تعالى رادا عليهم في هذا الاعتراض : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ } ؟ أي : ليس الأمر مردودا إليهم ، بل إلى الله ، عز وجل ، والله أعلم حيث يجعل رسالاته ، فإنه لا ينزلها إلا على أزكى الخلق قلبا ونفسا ، وأشرفهم بيتا وأطهرهم أصلا .
ثم قال تعالى مبينا أنه قد فاوت بين خلقه فيما أعطاهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم ، وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة ، فقال : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ }
وقوله : { لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا } قيل : معناه ليسخر{[26027]} بعضهم بعضا في الأعمال ، لاحتياج هذا إلى هذا ، وهذا إلى هذا ، قاله السدي وغيره .
وقال قتادة والضحاك : ليملك بعضهم بعضا . وهو{[26028]} راجع إلى الأول .
ثم قال : { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } أي : رحمة الله بخلقه خير لهم مما بأيديهم من الأموال ومتاع الحياة الدنيا .
وقوله : أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ يقول تعالى ذكره : أهؤلاء القائلون : لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم يا محمد ، يقسمون رحمة ربك بين خلقه ، فيجعلون كرامته لمن شاؤوا ، وفضله لمن أرادوا ، أم الله الذي يقسم ذلك ، فيعطه من أحبّ ، ويحرمه مَنْ شاء ؟ . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي رَوْق ، عن الضحاك عن ابن عباس ، قال : لما بعث الله محمدا رسولاً ، أنكرت العرب ذلك ، ومن أنكر منهم ، فقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد ، قال : فأنزل الله عزّ وجلّ : أكانَ للنّاسِ عَجَبا أنْ أوْحَيْنا إلى رَجُل مِنْهُمْ أنْ أَنْذِر النّاسَ وقال وَما أرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَيْهِمْ ، فاسْئَلُوا أهْلَ الذّكْرِ يعني : أهل الكتب الماضية ، أبشرا كانت الرسل التي أتتكم أم ملائكة ؟ فإن كانوا ملائكة أتتكم ، وإن كانوا بشرا فلا تنكرون أن يكون محمد رسولاً : قال : ثم قال : وَما أرْسَلَنا مِنْ قَبْلِكَ إلاّ رِجالاً نُوحِي إلَيْهِمْ مِنْ أهْلِ القُرَى : أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم قال : فلما كرّر الله عليهم الحجج قالوا ، وإذ كان بشرا فغير محمد كان أحقّ بالرسالة فلَوْلا نُزّلَ هَذَا القُرآنَ على رَجُل مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ يقولون : أشرف من محمد صلى الله عليه وسلم ، يعنون الوليد بن المغيرة المخزومي ، وكان يسمى ريحانة قريش ، هذا من مكة ، ومسعود بن عمرو بن عبيد الله الثقفي من أهل الطائف ، قال : يقول الله عزّ وجلّ ردّا عليهم أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ أنا أفعل ما شئت .
وقوله : نَحْن قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَياةِ الدّنيْا يقول تعالى ذكره : بل نحن نقسم رحمتنا وكرامتنا بين من شئنا من خلقنا ، فنجعل من شئنا رسولاً ، ومن أردنا صدّيقا ، ونتخذ من أردنا خليلاً ، كما قسمنا بينهم معيشتهم التي يعيشون بها في حياتهم الدنيا من الأرزاق والأقوات ، فجعلنا بعضهم فيها أرفع من بعض درجة ، بل جعلنا هذا غنيا ، وهذا فقيرا ، وهذا ملكا ، وهذا مملوكا لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الله تبارك وتعالى أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَياةِ الدّنيْا فتلقاه ضعيف الحيلة ، عيي اللسان ، وهو مبسوط له في الرزق ، وتلقاه شديد الحيلة ، سليط اللسان ، وهو مقتور عليه ، قال الله جلّ ثناؤه : نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَياةِ الدّنيْا كما قسم بينهم صورهم وأخلاقهم تبارك ربنا وتعالى .
وقوله : لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا يقول : ليستسخر هذا هذا في خدمته إياه ، وفي عود هذا على هذا بما في يديه من فضل ، يقول : جعل تعالى ذكره بعضا لبعض سببا في المعاش في الدنيا .
وقد اختلف أهل التأويل فيما عنى بقوله : لِيتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا فقال بعضهم : معناه ما قلنا فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، في قوله : لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا قال : يستخدم بعضهم بعضا في السخرة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا قال : هم بنو آدم جميعا ، قال : وهذا عبد هذا ، ورفع هذا على هذا درجة ، فهو يسخره بالعمل ، يستعمله به ، كما يقال : سخر فلان فلانا .
وقال بعضهم : بل عنى بذلك : ليملك بعضهم بعضا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك ، في قوله : لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا يعني بذلك : العبيد والخدم سخر لهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لِيَتّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضا سُخْرِيّا مِلْكة .
وقوله : وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يقول تعالى ذكره : ورحمة ربك يا محمد بإدخالهم الجنة خير لهم مما يجمعون من الأموال في الدنيا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يعني الجنة .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَرَحْمَةُ رَبّكَ يقول : الجنة خير مما يجمعون في الدنيا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.