صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{أَهُمۡ يَقۡسِمُونَ رَحۡمَتَ رَبِّكَۚ نَحۡنُ قَسَمۡنَا بَيۡنَهُم مَّعِيشَتَهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَرَفَعۡنَا بَعۡضَهُمۡ فَوۡقَ بَعۡضٖ دَرَجَٰتٖ لِّيَتَّخِذَ بَعۡضُهُم بَعۡضٗا سُخۡرِيّٗاۗ وَرَحۡمَتُ رَبِّكَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ} (32)

فجهلهم الله تعالى بقوله : { أهم يقسمون رحمة ربك } أي أبأيديهم مفاتيح الرسالة فيضعونها حيث شاءوا ، ويختارون لها من أرادوا ؟ { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا } وتولينا تدبير أسبابها بمشيئتنا المبينة على الحكم والمصالح ، ولم نكله إليهم لعلمنا بعجزهم عنه . { ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات } في الرزق ومبادئ المعيشة{ ليتخذ بعضهم بعضا سخريا } أي ليستخدم بعضهم بعضا في حوائجهم ، ويسخر بعضهم بعضا في مهامهم ؛ فيكون بينهم من التعاون والترافد ما ينتظم به أمر المعاش والعمران ، ولو كلنا ذلك إليهم لتهارجوا

وتهالكوا ، واختل النظام ، وتقوض العمران . وإذا كانوا عاجزين عن تدبير أسباب معيشتهم في الحياة الدنيا ، فما ظنهم بأنفسهم في تدبير أمر الدين ، وهو أعلى شأنا وأبعد شأوا من أمر الدنيا ! وكيف يتحكمون على الله في منصب الرسالة ، ويتخيرون له من يشاءون ؟ إنهم لا علم لهم بالله ، ولا بحكمه وشئونه وتدبيره ، وقد اصطفى لرسالته من شاء من عباده بإرادته وحكمته ، ولا معقب لحكمه . و " سخريا " – بضم أوله – من التسخير بمعنى التذليل . يقال : سخر الله السفينة تسخيرا ، ذللها حتى جرت وطاب لها السير . وكل ما ذل وانقاد وتهيأ لك على ما تريد فقد سخر لك ؛ وهو سخري .

{ ورحمة ربك خير مما يجمعون } تصغير لشأن الدنيا .